شعيب خميس/ مشاهد بريس
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً بين الأوساط السياسية والإعلامية، أعلنت الولايات المتحدة رسمياً قبولها طائرة بوينغ 747-8 فاخرة كهدية من قطر، لتُضاف إلى أسطول الطائرات الرئاسية المعروفة باسم “إير فورس وان”. جاء الإعلان من البنتاغون يوم الأربعاء، مؤكداً أن الصفقة تمت “وفقاً للقواعد الفيدرالية”، لكنها فتحت باب انتقادات حادة من داخل الكونغرس وحتى من مؤيدي الرئيس دونالد ترامب أنفسهم.
تُقدر قيمة الطائرة، التي أهدتها العائلة المالكة القطرية، بنحو 400 مليون دولار، وتحتوي على ثلاث غرف نوم وصالة خاصة ومكتب، وفقاً لمواصفاتها المُسربة. ومن المقرر أن تخضع لتعديلات أمنية شاملة لتلبية معايير الطائرة الرئاسية، تشمل أنظمة اتصالات مشفرة وقدرة على تحمل النبضات الكهرومغناطيسية الناتجة عن انفجار نووي، وهي تحديثات قد تتكلف مليار دولار وتستغرق سنوات حتى اكتمالها.
من الناحية القانونية، يُحظر دستورياً على المسؤولين الأمريكيين قبول هدايا من حكومات أجنبية دون موافقة الكونغرس، وفقاً للمادة الأولى من الدستور التي تُعرف بـ”بند المكافآت”. لكن البيت الأبيض دافع عن الصفقة بالقول إن الطائرة مُقدمة لوزارة الدفاع وليس لترامب شخصياً، وأنها ستُنقل لاحقاً إلى “المكتبة الرئاسية” التابعة له بعد مغادرته المنصب.
على غير العادة، واجه ترامب انتقادات من حلفائه التقليديين. فقد وصف السيناتور تيد كروز الصفقة بأنها “مصدر لمخاطر تجسسية كبيرة”، فيما تساءل السيناتور راند بول عن تأثير الهدية على تقييم واشنطن لسجل قطر في حقوق الإنسان. حتى وسائل الإعلام اليمينية، مثل “ديلي واير”، عبّرت عن قلقها، مقارنةً الواقعة بفضائح عائلة بايدن، وقال بن شابيرو: “لو كان بايدن هو من قبل الهدية، لانفجر اليمين غضباً”.
وقدكشفت مصادر عليمة أن اتصالات مبكرة جرت بين إدارة ترامب وقطر لشراء الطائرة، على عكس رواية ترامب التي ادعى فيها أن الدوحة هي من بادرت بالعرض. كما أثيرت تساؤلات عن تداخل المصالح، خاصة مع توسع شركة “منظمة ترامب” في مشاريع عقارية في قطر والإمارات، مثل بناء ملاعب غولف وفنادق فاخرة.
وفقاً لخبراء طيران، قد تضطر الولايات المتحدة إلى نشر طائرات مقاتلة لمرافقة الطائرة القطرية خلال رحلاتها، نظراً لعدم تجهيزها بأنظمة دفاع متطورة كتلك الموجودة في الطائرة الرئاسية الحالية. كما أن استخدامها خارج الأجواء الأمريكية قد يكون محفوفاً بالمخاطر بسبب نقص الضمانات الأمنية في المطارات الدولية.
من جهة أخرى، يُعتبر أسطول “إير فورس وان” الحالي قديماً، حيث تعمل طائرتاه الرئيسيتان منذ عام 1990، وتأخرت شركة بوينغ في تسليم طائرتين جديدتين بسبب تعقيدات التصنيع. وهذا ما دفع ترامب للترحيب بالهدية القطرية ووصف رفضها بأنه “غباء”.
على الرغم من تأكيد رئيس الوزراء القطري أن العملية “بين حكومتين وليست شخصية”، إلا أن تقارير أشارت إلى مخاوف من أن تكون الهدية جزءاً من مساعي قطر لتعزيز نفوذها في واشنطن، خاصة بعد توتر العلاقات مع جيرانها الخليجيين في السنوات الماضية.
في الخلفية، لا تزال الأسئلة القانونية عالقة. فقانون الهدايا الفيدرالي يسمح للرئيس بالاحتفاظ بهدايا لا تتجاوز قيمتها 480 دولاراً، أما ما زاد عن ذلك فيجب أن تصبح ملكاً للحكومة. لكن نقل ملكية الطائرة لاحقاً إلى مكتبة ترامب قد يخرق هذا البند، وفقاً لخبراء دستوريين.
تبقى الصفقة مثالاً صارخاً على التقاطعات بين السياسة والمصالح التجارية والأسئلة الأخلاقية. بينما يرى البيت الأبيض فيها “صفقة شفافة”، يرى النقاد أنها اختبار لمرونة النظام الأمريكي في مواجهة إغراءات النفوذ الأجنبي. مع استمرار الجدل، قد تُحدد الأشهر القادمة ما إذا كانت هذه الطائرة ستُحلّق في سماء السياسة الأمريكية بسلام، أم ستكون شرارة لأزمات لم تُحسب حسابها.