
بقلم: شعيب خميس/مشاهد بريس
في مسرح الحياة، نحن محاطون بشخصيات مختلفة ومتعددة الألوان، تمامًا كما تتنوع الفصول في السنة.
فهناك من يضيء يومك بابتسامته، وهناك من يعكر صفوك بمجرد حضوره. وبين هذا وذاك، تظل العلاقات الإنسانية مساحة غنية بالتجارب التي تصقلنا، وتعلّمنا كيف نرى الناس بقلوب أكثر وعيًا وعقول أكثر اتزانًا.
غير أن التعامل مع الشخصيات الصعبة يظل أحد أكثر التحديات التي تواجه الإنسان في بيئته الأسرية أو المهنية أو الاجتماعية. هؤلاء الأشخاص قد لا يكونون أشرارًا أو سلبيين بطبيعتهم، لكنهم يمتلكون أنماطًا من السلوك تجعل التواصل معهم أشبه بالسير في طريق مليء بالمطبّات.
ومن هنا، يصبح فن التعامل مع الشخصيات الصعبة مفتاحًا حقيقيًا لبناء علاقات ناجحة ومستقرة، بل وأحد أسرار الذكاء العاطفي الذي يميز الأشخاص الأقوياء والمتوازنين.
أولًا: فهم الشخصية الصعبة… بداية الحكمة
قبل أن نحكم على الآخرين، علينا أن نفهمهم. فالشخصية الصعبة ليست كائنًا غريبًا أو حالة ميؤوسًا منها، بل هي غالبًا نتاج تجارب سابقة، أو ضغوط داخلية، أو جروح لم تُشفَ بعد.
إن إدراك هذا المعنى هو الخطوة الأولى نحو التعامل الواعي بدل التصادم الانفعالي.
وتتنوع هذه الشخصيات في صور متعددة:
- الشخصية المتسلطة:
تعيش على فكرة السيطرة. لا تشعر بالأمان إلا إذا كانت هي صاحبة القرار والكلمة الأخيرة. التعامل معها يحتاج إلى ثبات ولباقة، لا إلى تحدٍ مباشر. - الشخصية النرجسية:
ترى نفسها محور الكون، وتطلب الإعجاب الدائم. تحتاج منك إلى التعامل الذكي الذي يُرضي غرورها دون أن تفقد احترامك لذاتك. - الشخصية السلبية:
تميل إلى الشكوى المستمرة، وتُضخّم المشكلات، وتُلقي اللوم على الآخرين. التعامل معها يتطلب طاقة إيجابية عالية وحدودًا نفسية واضحة. - الشخصية العنيدة:
تُغلق عقلها أمام النقاش، وتتمسك برأيها حتى النهاية. لا تحاول كسرها، بل حاول الوصول إلى ما وراء عنادها من مخاوف أو قناعات متجذّرة. - الشخصية المتقلبة:
يتغير مزاجها وموقفها بسرعة. التعامل معها يحتاج إلى مرونة وصبر دون أن تنجرف وراء عواطفها المتناقضة. ثانيًا: استراتيجيات ذكية للتعامل مع الشخصيات الصعبة
من السهل أن نحكم، لكن الأصعب أن نفهم.
وهنا تبدأ رحلة اكتساب المهارة التي تميز الناجحين في حياتهم وعلاقاتهم:
- الهدوء سلاحك السري
عندما تفقد أعصابك، تفقد زمام المبادرة. الهدوء لا يعني الاستسلام، بل هو قوة داخلية تمنحك السيطرة على الموقف، وتجعل الطرف الآخر يعيد حساباته أمام تماسكك.
- الإصغاء باحترام… لا بانفعال
الاستماع بصدق هو نصف الحل.
حين يشعر الشخص الصعب أنك تنصت له فعلاً لا شكلاً، سيبدأ – ولو تدريجيًا – في خفض دفاعاته. الإصغاء لا يعني القبول، لكنه يعني الاحتواء النفسي الذي يفتح باب التفاهم.
- كن واضحًا دون قسوة
وضوحك في التعبير عن أفكارك وحدودك لا يُعد قسوة، بل احترامًا للذات وللآخر.
تحدث بلباقة، لكن لا تسمح لأحد بتجاوزك. فالصدق الهادئ أكثر إقناعًا من الانفعال الحاد.
- ضع حدودك النفسية بحزم وذكاء
ليس من واجبك أن تُرضي الجميع، ولا أن تتحمّل تجاوزاتهم.
ضع خطوطًا واضحة لما هو مقبول في التعامل معك، وأعلنها بهدوء. الحدود ليست جدرانًا، بل بوابات تنظم الدخول والخروج إلى عالمك الداخلي.
- ركّز على الحل بدل المشكلة
الشخصيات الصعبة تميل إلى تضخيم المشكلات والدوران حولها.
غيّر زاوية الحوار بتوجيهه نحو النتائج والحلول. حين تجعل الحديث عمليًا، تضعف حدة الانفعال وتزداد فرص التفاهم.
- التعاطف لا يعني الخضوع
تعاطفك مع الشخص الصعب لا يعني أنك توافقه أو تستسلم له.
بل هو قدرة راقية على فهم دوافعه الداخلية دون أن تفقد اتزانك. فالفهم أعمق من الحكم، والتعاطف أسمى من التبرير.
- احترم الجميع… حتى المختلفين
الاحترام يُرغم الآخرين على احترامك. قد لا تغيّر الشخص الصعب، لكنك تغيّر دينامية العلاقة معه عبر لغة التهذيب والثبات.
- اطلب المساندة عند الحاجة
بعض المواقف تتجاوز حدود الاحتمال، وهنا لا بأس بالاستعانة بصديق حكيم أو مختص نفسي أو مسؤول في العمل للمساعدة في احتواء الوضع.
ثالثًا: خطوات عملية لتعزيز مهارتك في التعامل الإنساني
- تعلّم فن الإصغاء أكثر من فن الرد.
الناس لا تحتاج دائمًا إلى نصائح، بل إلى من يفهمهم. - درّب نفسك على الحياد العاطفي.
لا تنفعل بسرعة، ولا تسمح للطاقة السلبية بالسيطرة عليك. - تذكّر أنك لست مركز العالم.
ليس كل سلوك سلبي موجّه ضدك، فالكثير من الناس يُسقطون مشاعرهم على الآخرين دون قصد. - ابحث عن الإيجابيات حتى في الأشخاص المزعجين.
ربما فيهم صفة أو مهارة يمكن أن تُلهمك أو تفيدك بطريقة غير متوقعة. - مارس الامتنان.
عندما تركز على ما هو جميل في حياتك، لن يكون للشخصيات الصعبة تأثير كبير على توازنك النفسي. - نمِّ ذكاءك العاطفي.
هذه المهارة هي البوصلة التي تتيح لك فهم الناس وتفادي الصدام معهم، وهي ما يميز القادة الحقيقيين في الحياة والعمل. رابعًا: حوّل الصعوبة إلى فرصة للنمو
ربما يبدو التعامل مع الشخصيات الصعبة عبئًا، لكنه في الحقيقة فرصة للتطور الشخصي.
كل موقف صعب هو درس في الصبر، وكل حوار متوتر هو تدريب على الوعي، وكل علاقة متعبة هي امتحان لنضجك العاطفي.
حين تدرك أن الأشخاص الصعاب ليسوا أعداءك بل مرايا تعكس نقاط ضعفك وقوتك، ستتعامل معهم بعقل منفتح وقلب متسامح.
الخلاصة: كن أنت التوازن وسط العاصفة
في النهاية، لن نستطيع تغيير كل من حولنا، لكننا قادرون دائمًا على تغيير طريقة تفاعلنا معهم.
الشخصيات الصعبة ستظل موجودة في حياتنا كما توجد الأمواج في البحر، ولكن الحكمة تكمن في تعلم السباحة لا في محاولة تجفيف البحر.
فإذا أتقنت فن التعامل مع الاختلاف، وضبطت انفعالك، وارتقيت بتواصلك، أصبحت سيد نفسك… وصانع سلامك الداخلي.
تذكّر دائمًا أن القوة ليست في السيطرة على الآخرين، بل في القدرة على البقاء هادئًا ومتزنًا حين يختبرك الناس والظروف.
وهنا يكمن جوهر فن الحياة: أن تكون مرنًا، متفهّمًا، ومتصالحًا مع كل ما هو مختلف وصعب.