شعيب خميس / مشاهد بريس
في قلب جماعة أولاد سعيد الهادئة، تختبئ قصة مؤلمة تختصر الكثير من مظاهر الهشاشة الاجتماعية التي ما تزال تنخر أعماق العالم القروي. إنها حكاية محمد الناصري، رجل قضى زهرة عمره في خدمة ضيعة فلاحية بالمنطقة، قبل أن يجد نفسه اليوم، رفقة زوجته وأختها، يعيش في سكن غير لائق لا يليق بكرامة إنسان أفنى أكثر من أربعين سنة من عمره في العمل الشاق.

أربعون سنة من الخدمة… ثم لا شيء
محمد الناصري لم يكن مجرد عامل بسيط في ضيعة فلاحية، بل كان عموداً بشرياً ضمن المنظومة الإنتاجية للضيعة التابعة لنفس الجماعة. عاش داخل أسوارها، عمل فيها، وربّى أبناءه وهو يعتقد أن سنوات التفاني ستقابل في نهاية المطاف بتقدير أو تعويض يليق بتاريخه المهني.

لكن الصدمة كانت أكبر من أن تُحتمل:
طرد دون أي تعويضات… دون أي سند… ودون حتى سكن بديل يحفظ له كرامته.
فالمنزل الذي كان يقطنه طوال تلك العقود كان تابعاً للضيعة، وما إن توقّف العمل حتى طُلب منه المغادرة فوراً، ليجد نفسه خارج الأسوار التي اعتقد يوماً أنها وطن صغير يحتضنه.

السكن غير اللائق… واقع يوجع
اليوم، يعيش محمد مع زوجته وأخت زوجته في ظروف صعبة داخل مسكن لا تتوفر فيه الشروط الأساسية للعيش الكريم:
غياب المياه الصالحة للاستعمال بانتظام
ضعف البنية التحتية
هشاشة الجدران والأسقف
غياب الأمان والاستقرار
هذه الوضعية لا تضع الأسرة فقط تحت ضغط يومي، بل تجعلها في مواجهة مباشرة مع قساوة الطبيعة وتقلبات المناخ، دون حماية أو مورد قار.
صرخة إلى المسؤولين… ونداء لإنصاف تاريخ مهني
قصة محمد ليست حالة فردية، بل مرآة لواقع يواجهه الكثير من العمال الزراعيين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة ضيعات ومؤسسات لم تعترف يوماً بسنوات تعبهم.
المواطنون بالمنطقة، ومعهم فعاليات مدنية، يطالبون اليوم بـ:
فتح تحقيق عاجل في ظروف الطرد
تمكين الرجل من حقوقه الاجتماعية والقانونية
توفير سكن لائق يحفظ كرامته الإنسانية
تفعيل رقابة حقيقية على أوضاع العمال الزراعيين بتراب الجماعة
أولاد سعيد… الجماعة التي تنتظر عدالة اجتماعية حقيقية
تعيش جماعة أولاد سعيد تحولات اجتماعية وديموغرافية متسارعة، لكن قصصاً مثل قصة محمد الناصري تعيد طرح السؤال الكبير:
إلى متى سيظل العامل الزراعي آخر من يستفيد وأول من يُقصى؟
إنصاف محمد ليس مطلباً فردياً… بل خطوة نحو إعادة الاعتبار لفئة كاملة من أبناء المغرب العميق، ممن عملوا في صمت ورحلوا في صمت، دون أن يسمع أحد صدى تعبهم.
وفي انتظار تدخل فعّال من السلطات المختصة، يستمر محمد الناصري في مواجهة الحياة بما تبقّى له من قوة… وبالأمل في غدٍ أكثر عدلاً وإنصافاً.

