مشاهد بريس
يواجه مجلس جماعة أيت ملول تحديا وجوديا يتعلق بضرورة الانتقال الفوري من عقلية تدبير المرحلة القائمة على الردود اللحظية إلى تبني رؤية استشرافية حقيقية تخدم الأجيال القادمة، خاصة وأن المعيار الحقيقي لجدية المجلس يكمن في طريقة تعامله مع الملفات الأكثر حيوية وتأثيراً على جودة حياة المواطن كقطاع النظافة وإصلاح الشوارع المتأكلة وتأهيل الأحياء وبناء الملاعب الرياضية. فالمنطق الراهن للتعامل مع هذه الملفات يبدو وكأنه مجرد إدارة للوقت بدلا من وضع أسس متينة للمستقبل، وما يزيد من عمق الأزمة هو الشعور بالإقصاء والنسيان الذي يطال أحياء بكاملها داخل الجماعة بعيداً عن دائرة اهتمام المشاريع المنجزة، فأحياء واسعة مثل تمازارت وقصبة الطاهر والمزار وتمرسيط وحي الأمل تعاني من التهميش ولا يتوفر فيها أي مشروع تنموي أو اجتماعي يذكر، في حين أن أحياء حيوية كحي أزرو تفتقر لأي منجز حقيقي يخدم ساكنتها والقطب الجامعي، وهذا التوزيع غير العادل للموارد والمشاريع يمثل خرقا لمبدأ العدالة المجالية ويؤكد غياب الرؤية الشمولية.
إن التحدي الأكبر الذي يواجه الرئيس تحديدا هو ضرورة التعامل بشجاعة مع ملف الاختلالات والخروقات القائمة التي تؤثر سلبا على نزاهة التدبير وشفافية الصفقات المتعلقة بهذه الملفات التنموية، حيث أن الإقدام على وقف هذه الخروقات يشكل تهديدا مباشرا لاستقرار الرئيس نفسه وتهديداً لمصالح شركائه وداعميه من داخل وخارج المجلس، وهذا الصراع الضمني بين واجب النزاهة والمحافظة على الاستقرار الهش داخل الأغلبية يضع الرئيس في اختبار حقيقي بين الانحياز للمصلحة العليا للمواطنين أو التضحية بالثقة العامة، مع تذكير الجميع بأن الكرسي هو أمانة لا تدوم، ولو دام لغيرهم لما وصل إليهم، وهذا يتطلب استغلال اللحظة في الخدمة بجدية مطلقة وليس في المساومة.
تضاف إلى هذه المعضلات، مواجهة الجماعة لمشكلة جوهرية وحادة في تحصيل المداخيل المحلية المتوقعة الجبايات المحلية. هذا الضعف في التحصيل الفعلي يعود بشكل رئيسي إلى ضعف التنسيق المحلي بين مختلف الأقسام والمصالح المكلفة، وغياب الإطار الموحد لتتبع المتأخرات الضريبية، بالإضافة إلى قصور في عمل الأطر الإدارية المسؤولة عن الموارد، مما يترجم إلى تراكم للتراكمات الضريبية “المتأخرات” وتضييق للوعاء الضريبي الفعلي. هذه الإشكالية المالية تعيق قدرة الجماعة على تحقيق حكامة جبائية فعالة وتمويل المشاريع التنموية الأساسية، وتضعف من فرص الاستثمار في المدينة.
تضاف إلى هذه المعضلة الداخلية خلافات مستمرة داخل الأغلبية المسيرة هي الأولى، تليها خلافات مع المعارضة، مما يزيد من عرقلة العمل الجماعي ويجعل هذه المسؤولية يتحملها الرئيس بالدرجة الأولى كضامن للاستقرار وقيادة التحالف نحو العمل الفعال. وفي هذا السياق، يتزايد شعور ملاحظين بأن الطاقم الإداري للجماعة لا يعمل بالفاعلية المرجوة، وهو ما يفسر في الغالب بكونه يلامس بشكل مباشر ومحبط غياب الاهتمام الواضح للمنتخبين بمصير المدينة أو بالانخراط الجدي في العمل، مما يدفع هذا الطاقم إلى التراخي أو عدم المبادرة نتيجة الإحساس بأن الأولويات الحقيقية للمنتخبين تقع في مكان آخر غير الخدمة العامة الصادقة والشفافة. إن هذا التوقيت تحديدا يمثل فرصة ذهبية للمجلس لاستعادة عافيته وتصحيح مساره، خصوصا مع المستجدات الأخيرة المتعلقة بتغيير هرم الإشراف العام على المنطقة، الأمر الذي يفتح المجال أمام مقاربة جديدة تستوجب انضباطا أكبر ونزاهة أعمق في إدارة الشأن المحلي. وفي الختام، يجب أن تبنى جدية العمل الجماعي على أساس الاستثمار في الكفاءات المحلية واستخدام التكنولوجيا لتبسيط الإجراءات الإدارية، بهدف تحقيق حوكمة رقمية تضمن السرعة والإنصاف في تقديم الخدمات، فالمجلس ليس مطالبا فقط بإدارة المدينة بل بقيادتها نحو مستقبل أفضل عبر إطلاق مبادرات تنموية كبرى في مجالات البيئة والاقتصاد والاستثمار التي ستضع أيت ملول على مسار النمو الحقيقي. هذا التفكير المستقبلي والتحلي بالشجاعة في مواجهة الاختلالات هو وحده القادر على خلق مدينة تستجيب لتحديات الحاضر وتكون مستعدة لاغتنام فرص الغد بفعالية ومسؤولية كاملة.
