يوسف طرزا
كأن قدر مدينة إنزكان أن تبقى رهينة العشوائية والفوضى، في زمن يتحدث فيه المسؤولين عن “الرقمنة” و”الحكامة الجيدة”. فالواقع على الأرض يفضح كل الشعارات البراقة، ويكشف مدينة تئنّ تحت وطأة الفوضى المنظمة والسكوت المريب للمسؤولين.
أينما وليت وجهك في شوارع إنزكان، تصادف مشاهد تُدمي القلب: تريبورتورات ودراجات نارية تنقل المواطنين بشكل عشوائي، دون أدنى احترام للقوانين أو شروط السلامة، أمام أعين السلطات التي يبدو أنها اكتفت بدور المتفرج. والأدهى من ذلك، أن هذه الوسائل أصبحت تنافس سيارات الأجرة بشكل مباشر، حيث تنقل الركاب مقابل أجر محدد، دون ترخيص أو تأمين، في ضرب صريح لمبدأ تكافؤ الفرص وللقانون المنظم لقطاع النقل. فهل أصبحت حياة الناس ومصدر رزق المهنيين مجالاً مفتوحاً للعبث؟
ولأن الفوضى لا تأتي فرادى، فقد صار النقل المزدوج هو الآخر سيد الميدان، يصول ويجول صباح مساء داخل المدينة، في غياب الرقابة والمحاسبة، وكأننا في مدينة بلا قانون. أما حافلات نقل المسافرين، فقد وجدت لنفسها محطة خاصة أمام سوق الثلاثاء، خارج الأسوار القانونية للمحطة الطرقية، في تحدٍّ صارخ لكل الضوابط التنظيمية.
الغريب أن كل هذه التجاوزات تجري في وضح النهار، دون أن يُسجّل أي تدخل حقيقي من المسؤولين حتى لو كان الثمن الأرواح والفوضى والعشوائية.
إن ما يجري في إنزكان اليوم ليس مجرد خلل عابر، بل علامة على تآكل هيبة المؤسسات وغياب إرادة حقيقية لإعادة النظام والانضباط.
فمدينة بهذا الحجم والموقع كان يفترض أن تكون نموذجاً حضرياً وتنظيمياً، لا أن تتحول إلى “قرية حضرية” تسيرها الفوضى والعلاقات الشخصية.
ويبقى السؤال: إلى متى سيظل المسؤولون يغطّون في سباتهم، بينما تنهار المدينة قطعة قطعة؟
إنزكان لا تحتاج شعارات جديدة، بل تحتاج قراراً شجاعاً يضع حداً للعبث، ويعيد هيبة القانون إلى الشارع.