شعيب خميس/مشاهد بريس
تشهد عدة مدن مغربية منذ أسابيع موجات احتجاجية غير مسبوقة، تقودها فئة الشباب المعروفين إعلامياً بـ”جيل زد”. هؤلاء الشباب الذين وُلدوا في عصر الرقمنة والاتصال الفوري عبر منصات التواصل الاجتماعي، وجدوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع واقع اقتصادي واجتماعي صعب، ما دفعهم إلى النزول إلى الشارع للتعبير عن غضبهم. غير أن هذه التحركات، التي انطلقت في الأصل من مطالب اجتماعية عادلة، انزلقت في بعض المناطق إلى أعمال شغب ومواجهات خطيرة مع القوات العمومية، وصلت حد الهجوم على مقر الدرك الملكي بالقليعة.
جيل جديد.. واحتجاج مختلف
ينتمي جيل “زد” إلى الفئة المولودة بين منتصف التسعينيات وبداية العقد الثاني من الألفية الثالثة. شباب يتسم بالوعي السريع، والانفتاح على العالم عبر التكنولوجيا، والتواصل الدائم عبر “تيك توك”، “إنستغرام”، و”إكس”.
يتميز هذا الجيل بكونه أقل ارتباطاً بالوسائط التقليدية كالأحزاب والنقابات.
يميل إلى التنظيم الذاتي والعفوية في الاحتجاج.
يرفع مطالب تتجاوز التشغيل والقدرة الشرائية، إلى قضايا أوسع مثل العدالة الاجتماعية، المساواة، والحريات الفردية.
لكن هذه الدينامية، ورغم مشروعيتها، أفرزت انزلاقات غير مسبوقة في تاريخ الاحتجاجات الشبابية بالمغرب.
أعمال شغب في مدن كبرى
رغم الطابع السلمي الذي بدأ به الحراك، فإن بعض المدن المغربية شهدت موجات شغب خطيرة:
أكادير: اندلعت احتجاجات ليلية تحولت إلى مواجهات عنيفة استُعملت فيها الحجارة، وأسفرت عن تكسير واجهات محلات تجارية وتخريب ممتلكات عمومية، إضافة إلى اعتقال العشرات.
وجدة: خرجت مسيرات شبابية في بعض الأحياء انتهت إلى أعمال فوضى شملت تخريب سيارات ومرافق عمومية، ما استدعى تدخلاً أمنياً مكثفاً.
طنجة، فاس، والدار البيضاء: بدورها لم تسلم من موجات الغضب، حيث شهدت بعض الأحياء مواجهات متقطعة مع القوات العمومية.
هذه الانزلاقات جعلت الرأي العام ينقسم بين متعاطف مع المطالب الاجتماعية للشباب، ومنتقد لما اعتبره “انحرافاً عن سلمية الاحتجاج”.
هجوم القليعة: التصعيد الأخطر
الأحداث بلغت ذروتها في مدينة القليعة بإقليم إنزكان، حين أقدمت مجموعات من الأشخاص على الهجوم على مركز الدرك الملكي في محاولة للاستيلاء على الأسلحة الوظيفية والذخيرة.
عناصر الدرك واجهت المهاجمين في إطار الدفاع الشرعي، واضطرت إلى استعمال السلاح الوظيفي.
التدخل أسفر عن مصرع ثلاثة أشخاص بالرصاص.
كما أصيب أزيد من 12 عنصراً من القوات العمومية بجروح متفاوتة الخطورة خلال المواجهات.
وتم توقيف ما يفوق 40 شخصاً يشتبه في تورطهم المباشر أو غير المباشر في العملية، مع فتح بحث قضائي تحت إشراف النيابة العامة المختصة.
حادث القليعة شكل منعطفاً خطيراً، حيث اعتبره مراقبون دليلاً على تحول بعض الاحتجاجات من مطالب اجتماعية إلى أعمال تهدد الأمن العام وسلامة المؤسسات.
أسباب الغضب والانفجار
يمكن تلخيص خلفيات هذه التحركات الشبابية في عدة عوامل مترابطة:
غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل غير مسبوق.
البطالة، خصوصاً في صفوف الشباب وحاملي الشهادات العليا.
الشعور بالتهميش في المناطق الهامشية والأحياء الشعبية.
فقدان الثقة في النخب السياسية والأحزاب التي عجزت عن استيعاب مطالب الأجيال الجديدة.
الحلول والرهانات المطروحة
مواجهة هذه التحديات تتطلب مقاربة شاملة تتجاوز الحلول الظرفية:
1 فتح قنوات الحوار مع الشباب بشكل مؤسساتي ومنتظم، بدل ترك الساحة فارغة أمام العفوية والفوضى.
2 إصلاح اقتصادي واجتماعي عميق يركز على خلق فرص العمل ودعم الطبقات الهشة.
3 إصلاح التعليم والتكوين المهني لربط مخرجاته بسوق الشغل الجديد المبني على الرقمنة والابتكار.
4 تعزيز الثقة في المؤسسات عبر الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة الفساد.
5 المقاربة الأمنية المتوازنة التي تحمي الأمن العام، مع احترام الحق في الاحتجاج السلمي.
إن احتجاجات جيل “زد” هي مرآة لمغرب يتغير بسرعة، وتعبير عن شباب لم يعد يقبل الانتظار أو الخطابات التقليدية. وإذا كان ما جرى في مدن كبرى مثل أكادير ووجدة، وما حدث في القليعة من هجوم خطير على مركز الدرك الملكي، قد أظهر الوجه العنيف لبعض هذه الاحتجاجات، فإن ذلك لا يلغي حقيقة أن المغرب أمام لحظة مفصلية تتطلب حواراً صريحاً وإصلاحات عميقة تعيد الأمل إلى جيل يتطلع إلى مغرب أكثر عدلاً وإنصافاً.