الكرامة أولاً… حين لا تكفي المعونة ولا تداوي الأرقام

2025-05-22T16:10:48+00:00
2025-05-22T16:13:32+00:00
كتاب الرأي
Bouasriya Abdallahمنذ 3 دقائقwait... مشاهدةآخر تحديث : منذ 3 دقائق
الكرامة أولاً… حين لا تكفي المعونة ولا تداوي الأرقام
الكرامة أولاً… حين لا تكفي المعونة ولا تداوي الأرقام

بقلم: المحجوب زضيضات//مشاهد بريس

في قلب الأحياء الشعبية، في القرى النائية، في المداشر المنسية، وفي مدن تنمو من الخارج وتنهار من الداخل، تعيش فئات واسعة من المغاربة واقعاً صعباً لا تعكسه لغة التقارير الرسمية، ولا تُلامسه لغة الأرقام. هؤلاء الناس لا يعرفون كثيراً عن مؤشرات الاقتصاد، لكنهم يعرفون جيداً ثمن الخبز، وتكاليف الدواء، ومرارة أن تكون عاطلاً في بلدك.

لقد تابعنا جميعاً التقرير الأخير الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط، والذي أشار إلى أن عدد الفقراء في المغرب انخفض من 4.5 ملايين سنة 2014 إلى 2.5 مليون سنة 2025. وكم كنا نتمنى أن يكون هذا الرقم حقيقياً، وأن يعكس تغيراً فعلياً في حياة الناس. لكن الواقع يقول شيئاً آخر… الناس لا تحيا بالأرقام، بل بالكرامة.

دعم 500 درهم… الواقع أقوى من النية
نعم، تم إطلاق برامج للدعم الاجتماعي المباشر، أبرزها تخصيص مبلغ 500 درهم شهريًا للأسر المعوزة. ولا شك أن هذا القرار جاء من باب التخفيف، ومن منطلق نية إصلاحية نُقدرها. لكن السؤال المشروع الذي يطرحه المواطن البسيط: هل تكفي 500 درهم لإعالة أسرة في ظل موجة غلاء غير مسبوقة؟

الإجابة يعرفها الجميع، حتى من أقر بهذا الدعم. فـمصاريف الكراء، وفواتير الماء والكهرباء، والحاجيات اليومية، والنقل، والتطبيب، وحتى الأدوات المدرسية… تفوق هذا المبلغ بعشرات المرات. بل أصبح كثيرون يرون في هذا الدعم مجرد “مسكن وقتي” لا يُغني عن حلول عميقة ومستدامة.

الفقر ليس رقماً… بل إحساس دائم بالعجز
الفقر في المغرب ليس فقط نقصًا في المال، بل هو شعور دائم بالإقصاء، وحرمان من أساسيات الحياة: مدرسة لائقة، مستشفى في المتناول، شغل يحفظ الكرامة، وبيت يأوي الأسرة دون تهديد بالإفراغ أو التشريد.

الفقير اليوم ليس من لا يملك شيئاً، بل من يعمل ولا يكفيه دخله، ومن يمرض ولا يجد دواء، ومن يرى أبناءه يكبرون في بلد لا يمنحهم أملاً واضحاً. الفقر هو ذاك العجز الذي يدفع الإنسان لتأجيل العلاج، وتأجيل الحلم، وتأجيل كرامته… في انتظار من يسمع.

رسالة لمن بيدهم القرار
لا نكتب لجلد أحد، ولا ننتقد لمجرد النقد. نكتب لأننا نحب هذا الوطن، ونغار على شعبه الطيب، ونكتب باسم من لا يملكون صوتاً يُسمع.

المسؤول الحقيقي ليس من يوقع القرارات من خلف المكاتب، بل من يُنصت لأنين المواطن وهو واقف في طابور المستشفى، أو ينتظر مقعداً لأبنائه في المدرسة العمومية. الكرامة لا تُقاس بحجم الدعم، بل بعمق السياسة الاجتماعية.

إذا كانت النية صادقة – ونحن نرجو ذلك – فإن أول خطوة للإصلاح الحقيقي هي الاعتراف بالواقع، لا تجميله. فالتقارير وحدها لا تبني مجتمعات، ولا تنمية دون عدالة وجرأة في الإنصات للفئات الهشة التي تسند الوطن في صمت.

في الختام… صوت الفقير لا يُختصر في رقم
ربما لا يملك الفقير منبراً إعلاميا، ولا يعرف لغة البيانات، لكنه يعرف تمامًا من خذله، ومن وقف معه.

500 درهم ليست حلاً، لكنها تذكرة واضحة بضرورة فتح العيون على واقع مرّ، يحتاج أكثر من مبادرات رمزية. يحتاج إلى عدالة، وشجاعة سياسية، وإرادة تُنصت قبل أن تُقرر.

“إن كنتم حقاً منا وفينا، وتخشون علينا كما تقولون، فاجعلوا ضمائركم تتحرك قبل مكاتبكم، ووجّهوا صفقاتكم لما ينفع الناس لا لما يُرضي المظاهر. لا نطلب صدقة، بل فقط أن تضعوا المواطن حيث يستحق: في قلب القرار، لا في هوامشه.”
نحن أغنياء بما رزقنا الله، ولسنا ممن يمدون أيديهم إلا إلى السماء. لكننا نتكلم بصوت من يحتاج، ونعاتب باسم من يئنّ. فإن كنتم تسمعون، فافعلوا ما يُرضي الضمير… قبل أن يُحاسبكم التاريخ.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.