
بقلم: المحجوب زضيضات
مراسل جريدة مشاهد بريس
في هذا الوطن، نكتب لا لنُبهر بل لنُفهم.
نتحدث لا لنُحاكم أحدًا، بل لنُذكر فقط بأن في هذه البلاد من يرى، ويسمع ويفهم، ويتألم… ثم يصمت، لا لأنه جبان، بل لأنه لا يريد أن يُطعن من الخلف بتهمة التحريض.
نكتب لأننا نحب، لا لأننا نتمرد.
لكن يبدو أن الحب في زمن التلميع أصبح تهمة، والصراحة أصبحت مشروع سجن.
السياسة حين تفقد مضمونها
لا يخفى على أحد أن المشهد السياسي المغربي يمر منذ سنوات بحالة من التكلّس. المواطن الذي كان يراهن على صندوق الاقتراع لتغيير واقعه، بات يُحجم عن المشاركة، لا لأنه غير وطني، بل لأنه تعب من وعود لا تُنجز، ومن برامج لا تُنفذ، ومن وجوه تتغير شكلاً وتبقى مضموناً على حالها.
الأحزاب التي من المفروض أن تؤطر وتدافع عن قضايا الناس، أصبح بعضها أقرب إلى شركات انتخابية مؤقتة. اختفت من الشارع وظهرت في المكاتب، وتحولت من حامل لمطالب المواطن إلى باحث عن مكاسب ضيقة ومناصب مريحة.
حين نُخاطب كأننا لا نفهم
الفرق بين الاستهبال والاستهتار في السياسة صار اليوم ضبابيا.
الاستهبال حين يُخاطبك السياسي بلغة التهريج والتضليل، وكأن الذاكرة الشعبية قصيرة، وكأن كل دورة انتخابية تمحو ما قبلها.
أما الاستهتار، فهو أن تُمرر قرارات دون نقاش عمومي، أن يُستغل النفوذ، وأن تصبح المؤسسات مجرد أدوات بيد من يفترض أن يُحاسَب داخلها.
الإعلام… بين الرسالة والسوق
جزء من الإعلام ظل صوتاً حرّاً، مقاوما للتدجين، مسلحاً بالمهنية والجرأة. لكن بالمقابل برزت منابر أقرب إلى خلايا ترويج، تُسطر مقالاتها داخل المكاتب لا فوق الميدان، وتُكافأ لا لأنها نقلت الحقيقة، بل لأنها خففت من حدتها.
ما يُؤسَف له أكثر هو أن بعض الأصوات الصحفية النزيهة أصبحت مهددة بالملاحقة أو التضييق لمجرد أنها قررت قول ما لا يُراد سماعه.
الصحفي لا يطلب الحصانة، بل يطلب فقط العدالة. أن يُحاسَب مثل غيره، لكن لا أن يُستهدف لأنه لم يركع.
أين الكفاءة؟ ومن يقتل الأمل؟
لقد تم ردم الكفاءة الوطنية بالصفقات السياسية.
هناك شباب وشابات يمتلكون الرؤية والخبرة والحس الوطني، لكنهم خارج اللعبة لأنهم لا يجيدون لغة الولاء، ولا يمتلكون مفاتيح الزبونية.
الكثير من الكفاءات تُقصى بصمت، لأن وجودها يُربك النظام غير المعلن لتوزيع النفوذ. فصار صاحب الفكرة يُقصى، وصاحب الخطابة يُصفّق له.
المواطن لا يعادي الدولة… هو فقط يشعر بالخذلان
المواطن المغربي اليوم يعرف جيداً خيوط اللعبة.
يعرف من يسيرها، ومن يستفيد منها، ومن يختبئ خلفها.
لكن هذا الوعي لا يُترجم إلى فعل تغييري ملموس، لأنه يواجه جداراً سميكاً من اللا مبالاة الرسمية، والتهميش المؤسساتي للصوت الشعبي الصادق.
ورغم كل ذلك، لم ينقطع الأمل بعد.
ما يزال المواطن، حتى وهو يجر خيباته، يؤمن بأن الإصلاح ممكن… لكن فقط حين يصبح الانتماء لهذا الوطن أقوى من الانتماء لأي حزب أو مركز أو رصيد بنكي.
في الختام:
لسنا ضد الدولة، ولسنا دعاة هدم، ولسنا نحمل أحقادا.
نحن أبناء هذا البلد، نكتب لأننا نحب وننتقد لأننا نخاف على هذا الوطن من تفكك الثقة.
نريد فقط أن تُفتح النوافذ، لا أن تُكمم الأفواه.
أن يُحاسب المسؤول، لا أن يُحصن.
أن نرى قانوناً يُطبق على الجميع لا عدالة تُوزع بالميزان السياسي.
ولأننا نحترم الدستور المغربي، الذي يكفل حرية التعبير والرأي والنقد البناء، فإن ما كتبناه هنا لا يُعدو أن يكون مساهمة مواطن في النقاش العام، من داخل الدستور، ومن عمق المحبة.