شعيب خميس/ مشاهد بريس
في مساءٍ هادئ من مساء الخميس 16 أكتوبر، وبين أزقة حي لبطوار بسطات، لم يكن أحدٌ يتوقع أن يتحوّل ذلك الهدوء إلى صدمة جماعية ستخلف وجعاً في قلوب الجيران وأهل المدينة. شاب في السادسة والعشرين من عمره، عازب، معروف بين أبناء الحي بهدوئه ودماثة أخلاقه، أقدم على وضع حدٍّ لحياته شنقاً داخل منزله الكائن بــزنقة 08، في حادث مأساوي ما زالت أسبابه الحقيقية غامضة إلى حدود اللحظة.
وفق المعطيات الأولية، فقد تفاجأ الجيران بعدم ظهور الشاب منذ فترة المساء، قبل أن يكتشفوا الواقعة المؤلمة، حيث تم التدخل على وجه السرعة لإنقاذه، ليُنقل في حالة حرجة نحو المستشفى الإقليمي الحسن الثاني بسطات، غير أن القدر لم يمهله طويلاً، إذ لفظ أنفاسه الأخيرة داخل المستشفى، تاركاً خلفه أسئلة كثيرة ودموعاً لا تنقطع.
الحادث خلف حالة من الذهول والحزن العميق في الحي، إذ لم يُصدق كثيرون أن الشاب الذي كان يُرى يومياً بوجه مبتسم يمكن أن يقدم على هذا الفعل. “كان شاباً طيباً، محترماً، لم نسمع عنه أي مشاكل” هكذا عبّر أحد الجيران، بينما قالت أخرى “كان يبدو بخير… لم تظهر عليه علامات الحزن أو الضيق”. كلمات تختصر مأساة داخلية قد لا يراها أحد، لكنها كانت تكبر بصمت حتى انفجرت في لحظةٍ مؤلمة.
السلطات المحلية والمصالح الأمنية حلّت بعين المكان فور إشعارها بالحادث، حيث جرى فتح تحقيق بأمر من النيابة العامة لمعرفة ملابسات الانتحار ودوافعه المحتملة. فبين من يتحدث عن مشاكل نفسية أو ضغوط اجتماعية، ومن يرجح فرضية الاكتئاب أو العزلة، تبقى الحقيقة المؤكدة أنّ روحاً شابة أُزهقت في صمت، دون أن تجد من يسمع صرختها الأخيرة.
هذه الحادثة تعيد إلى الواجهة الأسئلة المؤرقة حول ظاهرة الانتحار وسط الشباب المغربي، والتي باتت تتزايد بشكل مقلق في السنوات الأخيرة. شباب يواجهون أعباء البطالة، وضغوط الواقع، وفقدان الأمل، دون أن يجدوا في محيطهم من يُصغي إليهم أو يساندهم. إنها مأساة صامتة تتسلل بيننا، وتدق ناقوس الخطر حول أهمية الرعاية النفسية والدعم الاجتماعي كركيزة أساسية للحفاظ على نسيجنا الإنساني.
رحل الشاب، لكن وجعه ما زال ماثلاً في تفاصيل المكان، في نظرات الجيران، وفي حيرة العائلة التي تبحث عن تفسيرٍ لما لا يُفسَّر. وربما في نهاية كل هذه الحكاية يبقى الدرس الأكبر: أن من يعاني بصمت يحتاج إلى من يسمعه قبل أن يرحل بصمت.