شعيب خميس/ مشاهد بريس
في ساعة متأخرة من ليلة الأحد (حوالي 1:30 بعد منتصف الليل)، أقدمت شابة تبلغ من العمر 26 عاماً على إلقاء نفسها من الطابق الثاني لمنزلها الكائن بحي العرفان بمدينة سطات . وفقاً لمصادر محلية، تمّ نقل الفتاة على وجه السرعة إلى مستشفى قريب، حيث لا تزال تتلقى العلاج في حالة حرجة. لم تُكشف هويتها بعد، ولم تُعرف الدوافع الكامنة وراء محاولتها الانتحار، ما أثار حيرة عائلتها وجيرانها الذين وصفوها بـ”الهادئة” و”المعتدلة” في سلوكها .
موجة انتحار تهدد سطات وبرشيد
تأتي هذه الحادثة في إطار موجة انتحارات مقلقة اجتاحت إقليمي سطات وبرشيد خلال الأشهر الأخيرة. فقد سجل الإقليمان 4 حالات انتحار في 5 أيام فقط، جميعها تمت بطريقة “الشنق” أو القفز من مرتفعات، ضحاياها من فئات عمرية مختلفة (شباب عشرينيون، أربعينيون، ورجل ستيني). الأكثر إثارة للقلق أن إحدى الضحيات حاولت الانتحار مرتين بعد فشل المحاولة الأولى .
جدول: حالات انتحار حديثة في المنطقة
| 26 | أنثى | حي العرفان | القفز | 2025-06-08 |
| 20 | ذكر | وسط سطات | الشنق | 2025-06-03 |
| 40 | ذكر | حد السوالم | الشنق | 2025-06-03 |
| 60 | ذكر | دوار الوشاشنة | الشنق | 2025-06-07 |
الأسباب المحتملة: بين الواقع النفسي والضغوط المجتمعية
رغم غموض دوافع الحادثة الأخيرة، تشير تحليلات الخبراء والمقربين من الضحايا السابقين إلى عوامل مشتركة قد تكون وراء هذه الظاهرة:
1 الأزمات النفسية غير المعالجة:
يعاني العديد من ضحايا الانتحار في المنطقة من الاكتئاب الحاد أو الوسواس القهري، دون وجود مراكز متخصصة كافية للعلاج. فمستشفى برشيد المرفق الصحي الرئيسي- يعجز عن استيعاب الأعداد المتزايدة من المرضى النفسيين، كما أن الأدوية المجانية غير متوفرة بانتظام .
تؤكد منظمة الصحة العالمية أن 24.7% من سكان الدول العربية يعانون أعراضاً نفسية، بينهم 7% مصابون باضطرابات مزاجية مثل الاكتئاب، ما يزيد خطر الانتحار .
2 الظروف الاقتصادية والبطالة:
يُعد “غياب فرص الشغل” في سطات وبرشيد أحد الأسباب الرئيسية التي يذكرها السكان. فالشباب العاطل يعيش حالة من اليأس المزمن، خاصة مع صعوبة الهجرة أو تحسين الدخل .
3 الوصمة الاجتماعية وغياب الدعم:
تُوصَم الأمراض النفسية في المجتمعات العربية بـ”الجنون”، ما يمنع الضحايا من طلب المساعدة. كما أن التفكك الأسري والفراغ الروحي يُضعفان شبكات الأمان الاجتماعي .
نداءات المجتمع: “سطات يْسطّي.. أما برشيد مبقاتش تداوي!”
في تعليق لاذع نقلته “هسبريس”، لخّص أحد سكان سطات -اختار التحدث تحت اسم “ن.ب”- الأزمة بقوله:
“قالوا زمان: سطات يْسطّي وبرشيد يْداوي. أما اليوم مبْقاشْ برشيد يداوي أمام ارتفاع المرضى النفسيين” .
وطالب السكان بـ:
تعزيز الصحة النفسية عبر بناء مستشفيات متخصصة وتوفير أدوية مجانية.
خلق فرص عمل ودعم اقتصادي للأسر الفقيرة.
حملات توعية دينية واجتماعية لمكافحة الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي.
هل يمكن منع الكوارث القادمة؟
تقدم تجارب دولية رائدة دروساً مفيدة:
مصر: أطلقت حملة “حياتك تستاهل تتعاش” في محطات المترو لتقديم الدعم النفسي الفوري لمن تنتابهم أفكار انتحارية .
ألمانيا: وفّرت مراكز إيواء اللاجئين دروساً للتوعية النفسية بعد أن تسببت ظروف العزلة في ارتفاع محاولات الانتحار بينهم .
السؤال الأصعب… لماذا تختار الشابة الموت؟
بينما تكافح الشابة الناجية من حي العرفان من أجل حياتها، تظل أسئلة المجتمع معلقة:
هل كانت تعاني من اكتئاب خفي؟
هل دفعت بها الديون أو علاقة فاشلة إلى الحافة؟
أم أنها ضحية لنظام صحي مجتمعي يعجز عن سماع صرخات اليأس قبل فوات الأوان؟
اليوم، الحاجة ملحة ليس فقط لإنقاذ الأجساد، بل أيضاً لإنقاذ النفوس الغارقة في صمت مطبق. فكما قال احد الاطباء النفسيين”العلاج يبدأ عندما نعترف أن المرض النفسي داء كأي داء… لا خجل فيه ولا حياء” .