شعيب خميس/مشاهد بريس
في إطار شراكة طبية عريقة بين المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية، وصل إلى المستشفى الإقليمي الحسن الثاني بسطات فريق طبي صيني ليعمل داخل المؤسسة لمدة سنتين، ضمن مهمة طبية صينية تستهدف تعزيز الرعاية الصحية في الإقليم ودعم البنية الصحية المحلية.
خلفية التعاون
تُعد هذه الخطوة جزءًا من تعاون صحي مستمر يعود إلى خمسين عامًا، منذ أول بعثة طبية صينية أُرسلت إلى المغرب عام 1975.
وقد أثبت هذا التعاون عبر السنوات قيمته الكبيرة: الأطباء الصينيون جلبوا معهم خبرات متقدمة، وروح تضامنية إنسانية، وساهموا في سدّ فجوات مهمة في الموارد البشرية بالمستشفيات المغربية، خاصة بالمناطق التي تعاني من خصاص طبي.
الفريق الطبي بسطات: تركيبة ومهام
الفريق الحالي الذي يعمل في مستشفى الحسن الثاني بسطات يتألف من حوالي 10 أعضاء، بينهم أطباء متخصّصون وممرضون وتقنيون، بالإضافة إلى مترجمين وفريق داعم من الطهاة لضمان حياة مريحة خلال فترة المهمة.
من بين الأطباء، بارزون من مراكز طبية تابعة لجامعة فودان (بشنغهاي)، مما يضفي على البعثة مستوى عالٍ من التخصص والكفاءة.
أقسام عديدة يغطيها الفريق: جراحة عامة، جراحة العظام، النساء والتوليد، القلب، التخدير، وأيضاً الطب التقليدي الصيني ضمن بعض البعثات.
تحديات وابتكارات
الفريق يواجه تحديات عديدة، من بينها العمل ضمن بيئة مختلفة تمامًا — من حيث البنية التحتية، والموارد المتاحة، والثقافة الصحية المحلية. لكن الأعضاء أبدوا قدرة عالية على التكيّف، ووضعوا حلولًا مبتكرة: على سبيل المثال، تم إنشاء حديقة خضروات في ساحة المستشفى لتوفير الخضراوات الطازجة لتغذية الطاقم الصيني، ما يعكس الحرص على الجانب الصحي والغذائي للبعثة.
من جهة أخرى، يحرص الأطباء على بناء علاقات وطيدة مع المرضى المحليين والزملاء المغاربة، ليس فقط من خلال العمل اليومي، بل عبر نقل المعرفة والتدريب. هذا يساهم في رفع مستوى الكفاءات المحلية وتحسين تقديم الرعاية الصحية على المدى البعيد.
أثر المهمة على المجتمع المحلي
تحسين الخدمات الصحية: بفضل الخبرة الصينية، تقدم المستشفى خدمات طبية متقدمة لسكان سطات والمناطق المجاورة، خصوصًا في التخصصات التي قد تكون فيها الموارد المحلية محدودة.
بناء الثقة: الأطباء الصينيون نالوا احترامًا كبيرًا من المرضى، بفضل مهنيتهم والتزامهم الإنساني، وهناك قصص عن امتنان كبير من المرضى الذين شعروا بأنهم “ليسوا فقط مريضًا، بل إنسانًا” أمام الأطباء.
تدريب ونقل خبرات: المهمة ليست مجرد تقديم رعاية مؤقتة، بل تشمل أيضًا نقل المهارات والتقنيات للممرضين والأطباء المغاربة، ما يعزز قدرة المستشفى على تقديم رعاية مستدامة حتى بعد انتهاء مهمة البعثة.
الاستدامة والبعد الرمزي: هذه البعثة تأتي ضمن استراتيجية أوسع للتعاون الصحي بين الصين والمغرب، التي تشمل مشاريع مستقبلية مثل مركز للطب الصيني التقليدي، ما يعكس رغبة في شراكة طويلة الأمد وليس مجرد مساعدات وقتية.
التزام عميق ودور إنساني
أعضاء الفريق الصيني يظهرون التزامًا إنسانيًا كبيرًا: يعملون لساعات طويلة، يلبّون احتياجات المرضى على مدار 24 ساعة، ويعاملون المرضى بلطف ورأفة.
كما أن بعض الأطباء عبروا عن مشاعر الاشتياق لأسرهم، لكنهم يعتبرون مهمتهم في المغرب واجبًا إنسانيًا وتعبيرًا عن التضامن العميق بين الشعوب.
دعم بنية تحتية للمهمة
لم يكن الأمر يقتصر فقط على الأطباء: في سنة 2023، تم تدشين سكن مخصص للبعثة الطبية الصينية داخل المستشفى الإقليمي بسطات، بتكلفة تقدر بحوالي 2 مليون درهم، لتوفير ظروف إقامة ملائمة للأطباء خلال فترة وجودهم في المغرب.
هذا السكن يعكس جدية الالتزام من جانب السلطات المغربية والصينية لضمان بيئة عمل مناسبة ومستقرة للبعثة.
الرؤية المستقبلية
هذه المهمة تُعد جزءًا من استراتيجية متجددة للتعاون الصحي بين المغرب والصين، التي تنظر إلى الصحة كجسر للتضامن والتنمية. وزير الصحة المغربي وممثلون صينيون أكدوا مؤخرًا على أهمية تعميق هذا التعاون ليشمل:
- استثمار في القدرات المحلية: من خلال التكوين المشترك وتبادل الأطباء والخبرات.
- ابتكار في الصحة الرقمية: مثل التطبيب عن بعد، واستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي.
- الطب التقليدي الصيني: تعزيز التبادل في مجال الطب التكاملي، عبر إنشاء مراكز للعلاج والتكوين في الطب الصيني التقليدي بالمغرب.
