محمد أمغيمما
في ساحة سوق التمسية، حيث تعجّ الأمكنة بالحركة والضجيج، هناك رجل طيب يعرفه الجميع دون حاجة إلى تعريف أو ألقاب. رجل بسيط في هيئته، عظيم في معناه، جعل من الرحمة سلوكًا يوميا، ومن العطاء نهجا صامتا لا ينتظر مقابلا ولا إشادة.
هذا الإنسان العطوف، الحنون بطبعه، لا يملك أسراب الحمام التي تحطّ رحالها أمامه، لكنها اختارته دون غيره. حمامٌ يأتيه من كل صوب وحدب، من دواوير مجاورة، لكل واحد منها مسكنه المنفرد ومبيته المعروف، غير أن موعد الطعام له عنوان واحد: هذا المضيف الكريم. عند لحظة الاقتيات، تتجه الحمائم نحوه كأنها تعرف فيه الأمان، وتقرأ في ملامحه الطمأنينة.
ومع حلول المساء، يعود كل حمام إلى مأواه، يعرف طريقه جيدًا، ليستأنف رحلته في اليوم الموالي، حيث يجد هذا الرجل من جديد في ساحة سوق التمسية، وقد سبق الجميع إلى شراء قوتها من ماله الخاص، دون منّ ولا أذى، ودون انتظار شكر أو مقابل.
ليست هذه القصة مجرد مشهد عابر، بل درس إنساني بليغ في الرحمة، ورسالة صامتة تقول إن القيم الحقيقية لا تحتاج إلى منصات ولا خطابات، بل تتجلى في أفعال بسيطة، لكنها عميقة الأثر. فحين تألف الطيور إنسانًا، فذلك لأن الرحمة تسكن قلبه، وحين يلتف حوله الجميع، فلأن الخير فيه سابق للكلام.
أمثال هؤلاء الرجال يشكلون الرأسمال الأخلاقي الحقيقي للمجتمع، ويستحقون منا الالتفاتة قبل النسيان، والكلمة الصادقة قبل أن تمر الأيام. ألا يستحق هذا الرجل التكريم؟
بلى، يستحق، لأن من أكرم الخلق أكرمه الله، ومن زرع الرحمة حصد المحبة.
إنه كريم… فأكرموه، يكرمكم الله

