المحجوب زضيضات/مشاهد بريس
في شوارع العيون، لم يعد النقل السري مجرد مخالفة للقانون، بل أصبح جزءاً من النسيج اليومي للمدينة. وراء كل “كوير” قصة: شاب عاطل يكدّ لتغطية مصاريف أسرته، شيخ يحاول تأمين لقمة العيش، مراهق يخاطر بحياته على عجلة من حديد، ونساء اضطرتهن الظروف لدخول هذا القطاع.
قصص من الميدان
عبدو، 23 سنة: طالب جامعي يقود كوير منذ ثلاث سنوات. يقول: أحياناً أعمل 12 ساعة يومياً، لكن هذا هو مصدر رزقي الوحيد. المخاطر كبيرة، لكن ليس لدي خيار آخر.
حمى، خريج السنة الماضية من معهد التكوين المهني (OFPPT): يقول: العمل في الكوير ليس اختياراً، لكنه يضمن لقمة العيش. نحتاج لتنظيم يحفظ حقوقنا ويحمينا من الحوادث.
واحدة من أبرز مظاهر النقل السري هي “الروسيطة”، حيث يدفع السائق مبلغاً يومياً لمالك العربة ويحتفظ بالباقي. بعض العربات تعمل بالغاز بدل الوقود، ما يزيد من المخاطر اليومية على السائقين والركاب.
الحاجة إلى إصلاح حقيقي
لكن الحديث عن النقل السري لا يمكن أن يقتصر على وصف المشكلة أو تقديم حلول ترقيعية. كل الحلول النظرية تبقى ناقصة ما لم تُبنى على الاحتكاك المباشر بالواقع الميداني. الحلول الحقيقية تتطلب أن يجلس المسؤولون مع أصحاب الكويرات والسائقين والركاب، ليعرفوا المعاناة اليومية ويفهموا ديناميكيات العمل والمخاطر والفرص الممكنة. بدون هذا الحوار، تبقى أي خطة إصلاح مجرد ورقة على الطاولة.
خطوط إصلاح أولية
من الممكن تصور بعض خطوط إصلاح، لكنها غير كافية إلا إذا انطلقت من الميدان:
• إطار قانوني مرن وواضح يعترف بالواقع القائم وينظم العلاقة بين الملاك والسائقين.
• تعزيز النقل العمومي لتغطية الفجوات التي يعتمد عليها المواطنون حالياً في النقل غير الرسمي.
• معايير سلامة تدريجية للعربات، تراعي القدرة الاقتصادية للسائقين.
• حماية اجتماعية تشمل التغطية الصحية والتقاعد، لضمان كرامة العاملين.
لكن النقطة الأهم تبقى أن بنية الإصلاح الحقيقية لا تُصنع على الورق وحده. كل اقتراح يبقى ناقصاً إذا لم ينبع من الحوار المباشر مع المعنيين بالميدان، لأنهم الأقدر على وصف حجم المخاطر وطبيعة العلاقات اليومية والاحتياجات الحقيقية.
النقل السري في العيون ليس مجرد مخالفة قانونية، بل ظاهرة اجتماعية متجذرة. الإصلاح الحقيقي لا يعني الهدم، بل بناء حلول تحمي المواطنين والسائقين على حد سواء، وتضع المدينة على طريق التنمية المستدامة، مع احترام القانون والكرامة والواقع الميداني.
هذا المقال لا يستهدف الإساءة لأي طرف، مع كامل الاحترام لسائقي سيارات الأجرة الذين يواجهون تحديات يومية لكسب قوتهم. كما أنه لا يعمم السلوكيات السلبية على كل العاملين في النقل السري، فهناك من يحترم القانون ومن يقدم خدمات جيدة. هدف المقال هو تسليط الضوء على الظاهرة بشكل واقعي، وفهم تحديات الميدان، ودفع الحوار نحو حلول إصلاحية تعود بالنفع على الجميع، دون تعطيل رزق أحد أو تشجيع أي اختراق للقانون.