شعيب خميس/مشاهد بريس
في سجل مدينة سطات، حيث تتعانق الثقافة مع التاريخ، يسطع اسم الراحل با الحاج قاسم الهمداني كعلم بارز ورمز من رموز الوفاء للكتاب والمعرفة. رحل في هدوء يليق بالكبار، تاركًا خلفه إرثًا إنسانيًا ومعرفيًا لا يبهت، وذكرى عطرة تنبض بصدق التجربة وعمق العطاء.
لم يكن مجرد أقدم بائع للكتب والمجلات في المدينة، بل كان حارسًا أمينًا للكلمة، يوزّع بذور الوعي كما يوزّع صفحاته المطبوعة، ويؤمن بأن الكتاب رسالة قبل أن يكون سلعة. كان يرى في القارئ شريكًا في صناعة مجتمع منفتح، يتنفس الثقافة ويتشبع بالقيم الإنسانية.
وإذ أسدل الزمن ستاره على مسيرته، حمل الراية من بعده نجله الحاج محمد الهمداني، بنفس الروح، وبذات الأمانة، ليواصل ما بدأه الأب من إشعاع ثقافي وانفتاح على مختلف الفاعلين والشركاء داخل سطات وخارجها.
لقد غدت مقاولته ومطبعته “فارير” بحي السماعلة فضاءً نابضًا بالحياة، حيث يلتقي الباحث بالورّاق، والمثقف بالزبون، في أجواء يكسوها حسن الاستقبال ودفء التواصل. هناك، لم تكن الخدمة مجرد عملية تجارية، بل وعدًا بالثقة والجودة، تجسده أيادٍ عاملة متجانسة تشتغل في صمت وإخلاص.
رحم الله با الحاج قاسم الهمداني، فقد كان رجلًا استثنائيًا، جعل من الكلمة المطبوعة رسالة عمر، ومن الكتاب رفيق درب. سيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة سطات، يُروى للأجيال القادمة كقصة وفاء للمعرفة، ودليل على أن العظماء يرحلون بأجسادهم، لكن سيرهم تظل حيّة لا تغيب.