يوسف طرزا
يثير إلزام المستفيدين من التكوينات داخل المراكز السوسيوثقافية بالدشيرة الجهادية موجة غضب واستياء مشروعين، خاصة وأن هذه الفضاءات أُحدثت من المال العام، وكان من المفترض أن تكون أدوات للإدماج الاجتماعي ومحاربة الهشاشة، لا عبئًا إضافيًا على كاهل الشباب والنساء الباحثين عن فرصة للتأهيل والكرامة.
ففي مدينة تتفاقم فيها البطالة وتضيق فيها آفاق الشغل، يُفاجأ المواطن بأن التكوين، الذي يفترض أن يكون حقًا اجتماعيًا، أصبح مقابل أداء مالي، في وقت يواصل فيه المجلس الجماعي للدشيرة الجهادية صرف ميزانيات مهمة على المهرجانات والحفلات والأنشطة الاستعراضية التي لا تترك أثرًا تنمويًا حقيقيًا.
كيف يُبرَّر تحميل الفئات الهشة كلفة التكوين داخل مراكز اجتماعية، بينما تُفتح خزائن الجماعة بسخاء لتمويل منصات الغناء، الإشهار، والاحتفالات الموسمية؟
وهل أصبح الترفيه أولوية، في حين يُترك الشباب لمواجهة البطالة بوسائله المحدودة؟
ولا يمكن فصل هذا الواقع عن دور التعاون الوطني بصفته شريكًا مفترضًا في هذه المراكز والبرامج. فهذه المؤسسة العمومية، التي أُنشئت أساسًا لدعم العمل الاجتماعي وضمان ولوج الفئات الهشة إلى التكوين والتأهيل، يُطرح حول حضورها في هذا الملف أكثر من علامة استفهام.
فإذا كان التعاون الوطني شريكًا فعليًا:
فأين ينعكس هذا الدور على أرض الواقع؟
ولماذا لا يُترجم إلى دعم يضمن مجانية التكوين ؟
أما إذا كان دوره يقتصر على شراكة شكلية أو حضور اسمي، فإن ذلك يُعد تفريغًا لمفهوم الشراكة من محتواه الاجتماعي، واستعمالًا غير مباشر لاسم مؤسسة عمومية لتبرير ممارسات تتناقض مع رسالتها الأصلية.
إن صمت التعاون الوطني إزاء فرض أداءات مالية داخل مرافق ذات طابع اجتماعي يُحمّله جزءًا من المسؤولية المؤسساتية والأدبية، ويطرح تساؤلات جدية حول آليات التتبع والمراقبة، وحول مدى احترام الأهداف التي أُحدثت من أجلها هذه الشراكات.
إن ما يقع اليوم ليس مجرد اختلال عابر، بل اختيار سياسي وتدبيري واضح، يكرّس منطق “الفرجة أولًا” على حساب “الإنسان أولًا”، ويحوّل المراكز السوسيوثقافية من فضاءات للإدماج إلى مرافق تُدار بعقلية تجارية، بعيدة عن روح الخدمة العمومية.
تحميل المستفيدين كلفة التكوين:
يضرب مبدأ تكافؤ الفرص
يعمّق الإقصاء الاجتماعي
ويفرغ خطاب التنمية البشرية من محتواه
إن التكوين استثمار في الإنسان والمستقبل،
أما المهرجانات، فليست سوى استهلاك عابر للمال العام، ينتهي بانتهاء الحفل دون شغل، دون إدماج، ودون كرامة.
الساكنة اليوم لا تطلب المستحيل،
بل تطلب فقط مجلسًا جماعيًا وشركاء مؤسساتيين يضعون الإنسان قبل المنصة، والتكوين قبل الحفلة، والعدالة الاجتماعية قبل التلميع.
