
المحجوب زضيضات/مشاهد بريس
في مشهد يُجسِّد حالة انفصال حقيقية عن واقع ساكنة بوجدور، خرج بعض النواب البرلمانيين بمطلب بدا غريباً، بل وربما مثيراً للسخرية: “إنشاء مطار بالمدينة”.
قد يبدو هذا المطلب عادياً في مدن تعرف ديناميةً اقتصاديةً أو ديمغرافيةً نشيطة، لكن في مدينة لا تزال بنيتها الأساسية في حالة تدهور شامل، يصبح الحديث عن المطار عنواناً فاضحاً للعبث السياسي.
بوجدور… مدينةٌ صمدت أمام الطبيعة وانهارت تحت سوء التدبير
بوجدور، التي تُلقَّب بـ”مدينة التحدي”، لم تتردد يومًا في مواجهة أقسى ظروف المناخ والجيولوجيا.
تحدّت الرياح القوية، وصمدت أمام أمواج الأطلسي العاتية، وبقيت شامخة رغم قساوة الطبيعة.
لكن التحدّي الأكبر الذي عجزت المدينة عن مجابهته هو تحدّي الفساد وسوء التدبير.
لقد تحوّلت من مدينة صامدة إلى أخرى تُصارع الإهمال والتهميش الإداري والسياسي، وسط صمت رسميٍّ مطبق.
بطالة خانقة وإقصاء ممنهج للمقاولين الشباب
رغم الشعارات المرفوعة والمبادرات المُعلنة، فإن معدلات البطالة في صفوف شباب المدينة تُنذر بالخطر.
لا وجود لفرص شغل حقيقية، ولا استثمارات موجّهة، ولا دعم فعليٍّ للمبادرات الفردية.
المقاولون الشباب يُقصَون بصمت من برامج الدعم والتمويل المحلي، ويُواجهون عراقيل إدارية دائمة، بينما تُمنَح الصفقات لمحيط مغلق لا مكان فيه للكفاءة أو المبادرة الذاتية.
فتات الميزانيات… وتطبيلٌ إعلامي مجاني
في وقت تحتاج فيه الساكنة إلى تنمية عادلة وفرص تحفظ الكرامة، تُفاجَأ بـ”مبادرات” تُسوَّق عبر صفحات فايسبوكية تُمارس دور “البوق الإعلامي” لبعض المنتخبين، تُروّج لمنح هزيلة أو أنشطة رمزية، على أنها إنجازات تاريخية تستحق التمجيد.
والحقيقة أن ما يُقدَّم لا يتعدّى فتاتاً من الميزانيات العمومية يُستغَل في شراء الولاءات، وتلميع الصورة السياسية، في مشهد لا يفتقر فقط للجدية، بل يُسيء لذكاء المواطن.
مطار… أم مهرب سياسي؟
السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح لدى الشارع البوجدوري:
هل نحن فعلاً بحاجة إلى مطار؟
أم أن المشروع مجرد واجهة لتمرير طموحات سياسية وشخصية، وذرٍّ للرماد في العيون؟
من الواضح أن الحديث عن مطار في ظل غياب المقومات الأساسية للعيش الكريم، ليس إلا محاولة للهروب إلى الأمام، وتغطية على فشل ذريع في تدبير ملفات جوهرية كالبنية التحتية، والتشغيل، والصحة، والعدالة المجالية.
أين هي الأولويات؟
• ساحة المرحوم بابي لا تزال مغلقةً دون مبرر.
• سوق المواشي مهجورٌ ويعاني من الفوضى.
• السوق النموذجي للخضر يحتضر منذ شهوره الأولى.
• الفضاءات العامة متدهورة، والمناطق الصناعية منعدمة.
• المستشفى المحلي يعاني خصاصاً كبيراً في الموارد والتجهيزات.
• مشاريع الشباب غائبة أو مُقصاة عمداً من الخريطة التنموية.
في ظل هذا الواقع، يصبح الترويج لإنشاء مطار أشبه بنكتة ثقيلة لا تثير سوى الأسى والسخرية.
الساكنة تعي… ولن تنخدع بعد اليوم
المواطن البوجدوري لم يعد ساذجاً. وعيه السياسي والاجتماعي في تطوّر مستمر، وصبره بلغ مداه.
لم تعد تنطلي عليه خطابات التلميع، ولا المبادرات الموسمية.
اليوم، يدرك جيّداً أن مدينته تُستخدَم كـ”معبر انتخابي” لا أكثر، ومجرد ورقة في صراع نفوذ لا يُعير اهتماماً لمعاناة الناس.
خلاصة القول: بوجدور تستحق تنميةً حقيقية… لا استعراضات سياسية
المدينة لا تحتاج إلى مشروع فضفاض ولا إلى صور تُعلَّق على جدران المكاتب، بل إلى:
• تنمية اقتصادية فعلية تُوفّر مناصب شغل وتحترم كرامة الشباب.
• فتح المجال للمبادرات المحلية ودعم المقاولين الشباب بآليات واضحة وشفافة.
• تأهيل الفضاءات العامة والأسواق والساحات.
• القطع مع منطق “الفتات والمكرمات” في التعاطي مع المواطن.
لقد آن الأوان لأن تُوضع مدينة بوجدور ضمن خريطة التنمية الجهوية والوطنية، وأن يُنصت إلى أبنائها بصدق.
بوجدور لا تريد مطاراً بلا ركّاب… بل مستقبلاً يحمل أملاً.