بين وأد النساء وقتل أحلامهن.. القليعة تطفو على السطح كمقبرة للأمهات العازبات

2021-03-21T04:33:17+00:00
2021-03-21T04:33:19+00:00
كتاب الرأي
Bouasriya Abdallah21 مارس 2021wait... مشاهدةآخر تحديث : منذ سنتين
بين وأد النساء وقتل أحلامهن.. القليعة تطفو على السطح كمقبرة للأمهات العازبات
بين وأد النساء وقتل أحلامهن.. القليعة تطفو على السطح كمقبرة للأمهات العازبات

ح- م/مشاهد بريس

“هنا فين ولدت ولدي لول، كان ديك الساعة في عمري عشرين”
هكذا تحدثت حورية التي تبلغ من العمر 36 سنة، والتي تنتمي إلى ضواحي المدينة-القرية القليعة، وتقع هذه الأخيرة في جهة سوس ماسة، التابعة على المستوى الإداري لعمالة إنزكان أيت ملول، و يبلغ عدد سكانها حسب الإحصاء الأخير لسنة 2014، 83,235 نسمة تتشكل من مختلف سكان المغرب بمختلف فئاته العمرية هذا دون تعداد الأطفال المتخلى عنهم، والذين لا يحملون شواهد إثبات النسب، وغير الحاملين للبطاقة الوطنية، وغيره كثير. فالقليعة اليوم وبكل ما تعانيه من مشاكل ديموغرافية، اجتماعية، اقتصادية، تربوية… والتي تطرق لها العديد من المهتمين بهذا المجال المهمش، إلا أن المشكل الذي بات يحتل الصدارة بالجماعة الحضرية-القروية القليعة اليوم، هو مشكل يربط بين كل ذلك، ويربط الجزء بالكل وهو مشكل الأمهات العازبات الذي أصبح من المواضيع التي تحتاج الطرح والمساءلة، وبالتالي هذه المساءلة التي قيد الطرح الآن لن تأخذ بعدا أخلاقيا أو دينيا من أجل الإفصاح، بل ستتخذ بعدا حواريا بالضرورة نستشف من خلاله مكنون الظاهرة وأبعادها .

فما معنى أن تكون أما عازبة؟ وما المشاكل المؤدية إلى ذلك؟ وكيف يمكن أن نُفعِّل هذا الاسم من أجل إنجاب حق مشروع وضائع لهن؟

أسئلة سنحاول الإجابة عنها من خلال حوارات يومية مع مجموعة من الشابات اللواتي يندرجن تحت مسمى “الأم العازبة” بالقليعة، كما هو الحال مع حورية التي ذكرناها سابقا، إضافة إلى إلهام، فتيحة، رقية، خديجة وغيرهن، وكلها أسماء مستعارة تساعد أكثر على الإفصاح، لأن فعل الإفصاح رهين بالإخفاء، إخفاء الاسم، النسب، الصورة، وبعض من الأحداث التي تشكل هويتهن الحقيقية. ليسهل بذلك التعبير عن حياتهن بين أسوار القليعة التي تصرخ بثقل الأزمات دون الفكاك منها، وبالتالي فإن محاولة النبش في هذه القضية هو من أجل تسليط الضوء مرة أخرى على القليعة من جهة وعلى المرأة الهامشية من جهة ثانية، من أجل إعادة النظر في البنيات التحتية وكذا التساؤل عن دور المؤسسات المدعومة من أجل تأهيل وإعادة تأهيل المرأة القليعية، وهل هناك مؤسسات حقا!

“أنا أم عازبة عن طريق الاغتصاب، عمرني ننسى هذاك النهار كنت خدامة في الفيرمة، تعرضوا ليا شي وحدين ووقع لي وقع” تبتسم ابتسامة باردة وتكمل “كون عرفت هذاك النهار غادي نتكرفس فيه مكنتش غادي نخرج، ولكن ولاد الحرام كثرو” عبرت السيدة خديجة عن السبب الذي جعل منها أما عازبة في سن الثلاثين الأمر يتعلق بالاغتصاب الذي لطالما كان موضوعا تتلقفه الصحف والمجلات والدوريات والكتب المدرسية والرسائل الجامعية وغيره، إلا أنه لم يعرف لحد الآن حلا جذريا، ومع تزايد المشاكل السوسيو-تربوية والسوسيو-اقتصادية، تتضاعف حدة الأزمات وتتضاعف حدة الاغتصاب الذي أصبح شبحا يلاحق المرأة القليعية، التي باتت لا تستطيع الخروج إلا رفقة من يحميها كوالدها، أخيها، صديقها، وربما لا أحد من كل ذلك، فتصبح عرضة للذئاب المفترسة، ومع غياب الأمن بالقليعة يغيب الاطمئنان وتسيطر مشاعر الحزن والخوف، وهذا ما كشفته أعين السيدة خديجة وهي تترقب الأفق بخوف شديد وصمت مدقع، وكأنها تنتظر النهاية لا غير.

“أنا كأم عازبة فين ما مشيت متبوعة ها هي دخلت، ها هي خرجت، ها هي غادي تجيب الحرامي الثاني، الناس ما عارفة والو غير داوية وصافي، وميمكنش تشد كل واحد وتبدا تشرح ليه بلي ماشي لخاطري” هكذا عبرت إلهام البالغة من العمر 25 سنة عن نظرة المحيط لها الذي تكتري فيه بيتا يتكون من غرفة،مطبخ صغير ومرحاض يحتضن أسرتها الصغيرة المكونة من طفلها البالغ من العمر ثلاثة سنوات غير الحامل للهوية، ووالدتها التي تشتغل بتنظيف البيوت، ففي حالة إلهام أن تكون أما عازبة بالقليعة معناه أنك محمل بنظرات الآخرين الأخلاقية أولا وغير المنصفة ثانيا، والقاطن بمنطقة بعيدة عن الحياة ثالثا؛ أي بعيدة عن كل المؤسسات التي يجب أن تكون حاضرة وبقوة داخل هذا المجال المهمش، وهذا ما تعيشه جل الأمهات العازبات، أو بالأحرى كل الأمهات العازبات بالقليعة.
فإلهام ذات العشرينيات كررت جملة “ماشي لخاطري” أكثر من مرة في حوار دام عشرين دقيقة، تؤكد من خلالها أن سلطة الواقع تفوق سلطتها، وأن شبح الاضطهاد قد أحكم قبضته عليها، لتصبح ضحية تضاف إلى باقي الضحايا الأخريات بالقليعة اللواتي تختلف قصصهن لكنها تحمل نفس الهم المشترك.
إلى أين؟
إلى أين نمضي وسط هذا الكم من الانفلات داخل القليعة، أمهات متشردات ومقهورات، يطفن الشوارع بأطفالهن لا وجود لداعم ولا مدعم، كل الأبواب مغلقة كما أخبرتني يوما إحداهن ونحن نتبادل أطراف الحديث في إحدى الحافلات، وأكدت لي أنها أم عازبة تحاول إثبات النسب لتنقد أطفالها التوأم من الضياع، لكن لا من مجيب وكل الإجراءات تتطلب الوساطة والكثير من المال، وعمل الضيعات الفلاحية لا يمكن أن يسد كل هذه النفقات نفقة عيشي ونفقة الأطفال والمحامي وغيره، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا أين هو الوازع القانوني في هكذا حالات تحتاج إلى وقفة إنسانية دون المساومة على ثمن الجلسة؟ وإلى أين يمكن أن تتجه هذه الحالات والقليعة لا تعرف مؤسسات معنية بإرشاد الأسر والنساء منهن الأمهات العازبات خصيصا، وبالتالي تصبح دوامة التساؤلات المشروعة هي السبيل من أجل الفهم والنهوض بوضعية المرأة داخل القليعة.

“أنا أم عازبة مغاديش نقول أنني تغتاصبت ولا ضحك عليا شي واحد باسم الحب، ولكن الجنس خديتو مهنة وولدت ثلاثة الوليدات” رقية البالغة من العمر 30 سنة تصرح بأنها امتهنت الجنس داخل القليعة تحت إكراهات خارجية تتجسد في انعدام حصولها على عمل كانت تحتاجه من أجل المساهمة في كراء البيت، والمساهمة في علاج والدها الذي كان يحتضر بسبب مرض السرطان،لكنه توفي جراء عدم حصوله على علاج وجراء “الفقصة” كما عبرت “تفقص بلي ولدت ولدي لول بلا زواج، وربي كان عالم علاش خرجت الطريق، لي خفت منو طحت فيه وضاع الواليد، والولاد مكنتش معولة نولدهم، واخا درت جميع الاحتياطات”، تتمم كلامها وتقول “نقدر نقول لك أنني أم عازبة عن غير قصد”.

إن الاهتمام بقضية الأم العازبة داخل المجال المغربي عامة والقليعي بالخصوص يقود إلى مجموعة من الإشكالات التي تنفتح انطلاقا من سيرورة البحث على الأسباب التي شكلت اليوم ما نسميه بالأمهات العازبات ، ومن بين هذه الإشكالات يمكن الإشارة إلى الجنس كمهنة كما طرحت رقية، وهنا يمكن العودة للسوسيولوجي المغربي عبد الصمد الديالمي الذي اهتم بهذا الحقل، وفكك آليات اشتغاله واعتبر العمل الجنسي مرحلة من مراحل الانفجار الجنسي، بحيث لم يعد شكلا ممتهنا من طرف المطلقات والأرامل، بل أصبح مهنة من طرف الشابات العازبات اللواتي يلجنه بحثا عن لقمة العيش، وبالتالي فإن فعل الجنس بالنسبة للإنسان العامي هو السبب في ما نسميه اليوم الأمهات العازبات، في حين أنه نتيجة لمجموعة من الأسباب التي تندرج في الفقر، البطالة، غياب بنيات سوسيو-تنموية، غياب مؤسسات اجتماعية وهياكل قانونية تهتم بهكذا قضايا.
إذ بات ما يكتسح القليعة اليوم هو ما يمكن تسميته بالظاهرة الجمعوية، التي تنشأ من أجل البحث عن الربح المادي بشعارات وهمية ذات واقع مبهم وأفق مسدود يختصر في روضة للأطفال، أو أنشطة للدعم المدرسي وتختتم بأمسيات ترفيهية تقام نهاية كل أسبوع، إلا أن واقع الحال يفرض وجود مؤسسات وجمعيات ذات أهداف مسطرة ومشروعة من أجل النهوض بالمرأة-الأم العازبة القليعية، التي تحتاج إلى من يشد على يدها، لأننا اليوم أمام كم هائل من الإكراهات التي تجعل من المرأة عرضة للتمزق، خصوصا في غياب العدالة الاجتماعية بشكلها المادي دون النزوع إلى تبرير القوانين النظرية التي مازالت تجادل تحت إشكالية هل المرأة في حاجة إلى مساواة أم إلى عدالة اجتماعية؟ في حين أن من اهتموا بشق المساواة لم يقدموا ما يجب تقديمه بل حوروا المطلب إلى صراع بين المرأة والرجل لا إلى مبدأ يحتاجه كلا الجنسين من أجل قيام حضارة تترسخ مبادئها على العدالة الاجتماعية.

إن الحوارات التي قمنا بها مع مجموعة من الشابات لم تكن مقننة تحت بحث علمي أو ما شابه، بل كانت حوارات عفوية، لكن لابد لها من الولادة، لأن واقع المرأة القليعية اليوم هو واقع يندى له الجبين في غياب مؤسسات اجتماعية تهتم بقضية المرأة، وكل محاولة لإغفال النظر عن النساء الهامشيات، المغبونات، المغتصبات، الأمهات العازبات والمتشردات هو محاولة لقتل الحضارة لأنه لا حضارة بدون قيام للمرأة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.