محمد امغيمما
بعد الشكر والتقدير للاخ سعيد لوبي لمساعدتنا في اعداد هذا التعريف عن الاستاذة ثوريا قاسمي
من مدينة فاس العريقة، وخلال أربعينيات القرن الماضي، وُلدت الأستاذة ثريا قاسمي، ابنة المرحوم محمد قاسمي، في زمن كان فيه الحلم بالعلم والتعلم رفاها لا تناله إلا القلة. اختارت طريق التكوين والمعرفة، فالتحقت بمدرسة تكوين المعلمين منتصف الستينات، حيث تلقت تكوينا أكاديميا عالي المستوى على يد نخبة من الأساتذة، من بينهم مدرسون قدموا من العراق، حاملين معهم زادا علميا وثقافيا كبيرا.
بدأت مسيرتها المهنية في فاس، حيث قضت ما يقارب عشر سنوات من البذل والعطاء في سلك التعليم الابتدائي، قبل أن تشد الرحال إلى التمسية رفقة زوجها المرحوم الحسين أبريان، الرجل الذي ظل اسمه محفورا في ذاكرة الساكنة، من الصغير إلى الكبير، لمكانته الثقافية، ودماثة أخلاقه، وحبه للقراءة والتواصل، وقدرته الاستثنائية على كسب قلوب من حوله. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته.
في التمسية، ستخط السيدة ثريا قاسمي اسمها بحروف من نور، كأول أستاذة تزاول مهنتها بـمدرسة الرشاد، حيث غدت رمزا للجد والمثابرة، ومرجعية إنسانية وتربوية شكلت قدوة للعديد من الأطر التعليمية التي التحقت بعدها بالمنطقة.
وفي مطلع التسعينات، انتقلت إلى نواحي إقليم آسفي لتشغل مهمة مديرة لمؤسسة تعليمية، حيث قضت هناك ثلاث إلى أربع سنوات دراسية، قبل أن تعود إلى أحضان التمسية مجددا، بدافع من ظروف عائلية، لتستأنف التدريس بكل من مدرسة الرشاد ومدرسة أبي ذر الغفاري، ثم ختمت مسيرتها العملية في مصالح الإدارة التربوية بالثانوية الإعدادية الأنوار.
لم تكن الأستاذة ثريا مجرد معلمة، بل كانت فنانة بالفطرة، عشقت الريشة واللون، فزينت بجمال ذوقها جدران مؤسسات كثيرة، حيث ما تزال جدارياتها التربوية شاهدة على حسها الفني الراقي. كما لعبت دورا فاعلا في تنشيط الحياة المدرسية، خصوصا من خلال المسرح المدرسي، والمشاركة في الاحتفالات الرسمية، وعلى رأسها حفلات عيد العرش، التي كانت مناسبة لإبراز المواهب وغرس القيم الوطنية لدى الناشئة.
اشتهرت أيضا باحتضانها للمعلمات والمعلمين الجدد، تقدم لهم الدعم والتوجيه والمساندة، ما جعلها أمًّا ثانية لكل من اشتغل إلى جانبها، وكانت علاقتها بجيرانها نموذجا للمحبة والوفاء، نذكر من بينهم السيدة رقية اوعبدالله، أطال الله في عمرها، التي كانت جارة وصديقة وفية بدرب “الماكينة”، وجدة السيد عبد اللطيف دروج.
غادرتنا السيدة ثريا قاسمي إلى دار البقاء بتاريخ 11 فبراير 2020، لكنها لم تغادر قلوب وذاكرة كل من عرفها أو تتلمذ على يديها. لقد تركت أثرا عميقا في النفوس، وذكريات محفورة في الوجدان، وعطاء لا يُنسى.
إن الحديث عن الأستاذة ثريا قاسمي هو حديث عن جيل كامل من الرواد التربويين بتمسية، ممن نذروا حياتهم لبناء أجيال، وسنخصص لاحقا وقفات تعريفية وتقديرية لعدد من الأسماء الأخرى التي لا يقلّ عطاؤها قيمة، أمثال المرحوم أبوالعباس سي الفاطمي بتعمريت وغيرهم ممن يستحقون التخليد والتكريم.
رحم الله الفقيدة، وجعل عملها في ميزان حسناتها، وأطال الله عمر من بقي من جيلها.