المحجوب زضيضات / مشاهد بريس
في لحظة فارقة يعيش فيها قطاع الصيد البحري ببوجدور واحدة من أكثر مراحله هشاشة، نظّمت جمعية ربابنة الصحراء لخريجي مركز التأهيل المهني البحري ببوجدور يوم 6 يوليوز 2025، نشاطًا توعوياً وتحسيسياً من قلب الميناء، تحت شعار:
“كلنا من أجل صيد مستدام وبحار مسؤول”.
لكن خلف هذا العنوان، كانت الرسالة أعمق وأوضح:
لقد بلغ الوضع في بوجدور مستوى يتطلب إعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والبحر وبين الاستغلال والحماية وبين الربح السريع والمستقبل الجماعي.
الأزمة في العمق: أكثر من مجرد توقف تقني
قطاع الصيد الساحلي يشهد حالياً توقفاً اضطرارياً بسبب ندرة المصطادات البحرية، مما انعكس بشكل مباشر على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبحارة، وربابنة المراكب، ومجهزيها، واليد العاملة في وحدات التصبير والمعالجة.

لكن هذه الأزمة، حسب ما تؤكد الجمعية، لا ترتبط فقط بعوامل طبيعية أو دورات موسمية. بل هي أيضاً نتيجة مباشرة لسلوك بشري غير مسؤول داخل القطاع، يهدد ما تبقى من التوازن البيئي والاقتصادي، ويقوّض أسس استراتيجية “أليوتيس” التي بُنيت للحفاظ على ديمومة المصايد وتنظيم استغلالها.
المسؤولية ليست نظرية: من التوعية إلى المبادرة الميدانية
النشاط الذي أشرفت عليه الجمعية لم يكن تظاهرة شكلية، بل محطة ضمن مسار توعوي واضح. الرسالة فيه كانت موجهة بالأساس إلى الفاعلين المباشرين داخل البحر، بضرورة احترام الأخلاقيات المهنية وعدم الإضرار بمستقبل المصايد من خلال صيد صغار الأسماك، سواء عن قصد أو عن جهل.
في السياق نفسه، قام أعضاء الجمعية بزيارة ميدانية إلى مقر المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري ببوجدور (INRH)، واطلعوا على آليات أخذ العينات ودراسة المخزون السمكي، وفتحوا نقاشاً مباشراً مع المشرفين حول مسؤولية العلم في ترشيد القرار داخل القطاع.
التحدي الحقيقي: من يملك قرار التغيير؟
الخطاب الذي حملته الجمعية هذه المرة كان واضحاً ومباشراً:
لا يمكن الحديث عن استدامة حقيقية بدون مساءلة حقيقية.
لم يعد مقبولاً أن يبقى القرار محصوراً في دوائر مغلقة أو أن تظل نفس العقليات تدير قطاعاً بأهمية واستراتيجية الصيد البحري في بوجدور.
الوقت يفرض اليوم توسيع قاعدة القرار لتشمل الكفاءات المهنية، والفاعلين الميدانيين، والهيئات الجمعوية الجادة التي تمارس دورها خارج منطق الريع أو التواطؤ.
الاستدامة ليست ترفاً… إنها ضرورة وجودية.
في الختام، أكدت جمعية ربابنة الصحراء أن مشاركتها في هذا النوع من الأنشطة ليست ظرفية، بل جزء من التزام طويل الأمد بتنزيل مبادئ الاستدامة على أرض الواقع، وتكريس وعي جماعي بأهمية حماية الثروات البحرية كخيار سيادي لا رجعة فيه.
الأزمة التي يعيشها قطاع الصيد يومه ليست سوى إنذار مبكر. والاستجابة لا يجب أن تكون تقنية فقط، بل قيمية تشاركية ومرتبطة بإرادة التغيير الحقيقي.