شعيب خميس/ مشاهد بريس
في ظل الانتشار السريع للإعلام الإلكتروني وتراجع بعض الضوابط المهنية، يظهر من حين لآخر أشخاص يقحمون أنفسهم في مجال الصحافة دون أي تأهيل أكاديمي أو إداري. أحد أبرز الأمثلة على هذه الظاهرة، شاب من مدينة سطات، بدأ حياته نادلاً في الأعراس والمقاهي، قبل أن يتحول فجأة إلى حامل كاميرا، يدور في الشوارع، يصور الناس، ويقدم نفسه كـ”صحفي معتمد”، دون أي سند قانوني أو بطاقة مهنية.
من تقديم الشاي إلى تقديم الأخبار
كان الشاب، الذي نتحفظ عن ذكر اسمه، معروفاً في سطات بعمله كنادل في المقاهي وقاعات الحفلات، حيث قضى سنوات وهو يخدم الزبائن في صمت. لم يكن له أي اهتمام ظاهر بالإعلام أو الصحافة. لكن في أحد الأيام، ظهر وهو يحمل كاميرا صغيرة ويصور حوادث السير والمشاجرات في الشوارع، وينشر مقاطع مصورة على مواقع التواصل.
خلال فترة قصيرة، التحق بموقع إلكتروني محلي، وبدأ يغطي أحداثاً بسيطة دون أي تكوين أو إشراف مهني. لكنه لم يلبث أن طُرد من الموقع بسبب “سلوكات غير مهنية”، حسب مصادر من داخل الجريدة.
شبهة ابتزاز وتجاوزات أخلاقية
بعدها التحق بجريدة إلكترونية أخرى، وهناك بدأت تظهر على سلوكاته مؤشرات خطيرة. فحسب شهادات متطابقة لمواطنين، بدأ يبتز بعض الأشخاص الذين يظهرون في صوره أو فيديوهاته، ملوحاً بـ”نشر الفيديو” إن لم يتلقّ مقابلاً مادياً، وهو سلوك خطير يضرب في العمق أخلاقيات المهنة، ويشكل جريمة يُعاقب عليها القانون المغربي.
يقول أحد المواطنين لـ”تحقيقنا”:
“صورني بعدما وقعت لي حادثة سير بسيطة، ثم بدأ يتصل بي ويقول لي إذا ما بغيتش الفيديو يطلع خاصك تدبر شي حاجة… كنت غادي نمشي نبلغ عليه، ولكن خفت يدخلني فشي مشكل آخر”.
حادثة الحريق… والنقطة التي أفاضت الكأس
الواقعة التي فجرت الجدل، وقعت خلال شهر يوليوز الجاري، حين نشب حريق في أحد المنازل بمدينة سطات. وبينما كان المواطنون في حالة هلع يحاولون إطفاء الحريق، ظهر هذا المصور وسط الزحام وهو يصور الأشخاص المتضررين عن قرب، دون إذن منهم.
وعندما طالبه أحد المواطنين بالكف عن تصويره، أجابه بجملة أثارت الاستغراب:
“أنا صحفي معتمد ومن حقي نصورك!”
الكلمة استفزت المواطن الذي رد عليه باتهامه بـ”انتحال صفة”، لتندلع بينهما مشاجرة بالأيدي، استدعت تدخل الأمن.
انتحال صفة… وجريمة يعاقب عليها القانون
حسب القانون المغربي، يُعتبر تقديم النفس على أنه صحفي دون الحصول على بطاقة الصحافة المهنية من المجلس الوطني للصحافة، انتحالاً لصفة، ويُعاقب عليه القانون الجنائي. ورغم ذلك، لا تزال العديد من المواقع الإلكترونية توظف أشخاصاً دون أي تأهيل أو وضعية قانونية واضحة.
يقول فاعل حقوقي في المدينة:
“هذه حالة مقلقة جداً. المواطن العادي لم يعد يعرف من هو الصحفي الحقيقي ومن هو المتطفل. يجب تدخل النيابة العامة والمجلس الوطني للصحافة لحماية المهنة والمواطنين”.
خلاصة التحقيق
ما جرى في سطات ليس مجرد حادث معزول، بل هو نموذج لظاهرة آخذة في الانتشار. ظاهرة “الصحفي المزيف”، الذي يختبئ خلف الكاميرا، يوثق دون إذن، ويبتز باسم الإعلام، دون أن يفقه شيئاً من أخلاقياته أو قوانينه.
ويبقى السؤال: إلى متى ستبقى الجهات المعنية مكتوفة الأيدي أمام هذه الانزلاقات؟