يوسف طرزا
بعد مرور أزيد من ثلاث سنوات على إسناد تسيير دار الفنون “أكوت عبد الهادي” بالدشيرة الجهادية، تتكشف اليوم حقيقة صادمة: لا برامج، لا إشعاع ثقافي، ولا أثر يُذكر، مقابل صمت رسمي مريب، ومرفق عمومي تحوّل من فضاء للإبداع إلى بناية مُعطَّلة.
الأدهى من ذلك، أن الجمعية التي أُنيط بها التسيير توجد خارج النفوذ الترابي للجماعة، في قرار يطرح علامات استفهام ثقيلة حول منطق الاختيار ومعاييره، ويُجسّد إقصاءً ممنهجًا للجمعيات المحلية التي راكمت تجربة ميدانية وتعرف خصوصيات المدينة وحاجيات شبابها.
فكيف يُعقل أن يُفوَّت مرفق ثقافي محلي، أُنجز من المال العام، إلى جمعية لا تمت بصلة للمجال الترابي للدشيرة الجهادية، بينما تُقصى الكفاءات الثقافية المحلية دون تفسير أو منافسة أو طلب عروض شفاف؟ وأي رسالة تُوجَّه للفنانين والجمعيات الجادة حين يُغلَق أمامهم باب التسيير والمشاركة؟
ثلاث سنوات كاملة من “التسيير” كانت كافية لإنتاج حصيلة صفرية:
لا ورشات تكوين،
لا احتضان للمواهب،
لا انفتاح على المدارس والشباب،
ولا إدماج للنسيج الجمعوي المحلي.
إن ما وقع لا يمكن اعتباره مجرد فشل تدبيري، بل هو اختلال بنيوي في الحكامة الثقافية، تتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى الجهة التي فوّتت المرفق دون تتبع أو تقييم أو محاسبة، في خرق واضح لمبادئ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وللأدوار الدستورية للجماعات الترابية في تنشيط الحياة الثقافية.
والأخطر أن هذا الوضع يُكرّس منطق التدبير المغلق والقرارات الفوقية، ويضرب في العمق مبدأ القرب والديمقراطية التشاركية، ويحوّل الثقافة إلى مجال للإقصاء بدل أن تكون فضاءً للاندماج والتمكين.
اليوم، لم يعد مقبولًا استمرار هذا العبث، ولا التستر خلف الصمت. فالساكنة والفاعلون الثقافيون لهم الحق في معرفة:
لماذا تم اختيار جمعية خارج النفوذ؟
أين هي تقارير التتبع والتقييم؟
ومن يحاسب على ثلاث سنوات من الهدر الثقافي والزمني؟
إن دار الفنون “أكوت عبد الهادي” ليست غنيمة انتخابية ولا امتيازًا خاصًا، بل حق ثقافي جماعي، وتعطيلها بهذه الطريقة يُعد إهانة لمدينة بأكملها ولطاقاتها الإبداعية.
إما تصحيح المسار فورًا عبر فتح باب التسيير أمام الجمعيات المحلية بشفافية ودفتر تحملات واضح، أو الاعتراف الصريح بالفشل وتحمل المسؤولية كاملة.
فالثقافة لا تُدار من خارج المدينة، ولا تُبنى بالإقصاء، ولا تزدهر بالصمت.

