يوسف طرزا
تحوّل منبر الجمعة، الذي كان عبر التاريخ شعلة وعي ومصدرا للإصلاح، إلى منصة باردة تكرر نصوصا مكرورة لا حياة فيها. لقد اختارت وزارة الأوقاف أن تُحول الخطيب من مرشد وناصح ومواكب لهموم الناس، إلى مجرد مُلقّن يقرأ ورقة لا علاقة لها بنبض المجتمع ولا بأزماته اليومية.
أي معنى للخطبة إذا لم تتناول غلاء الأسعار الذي ينهك الأسر؟ أي جدوى منها إذا لم تُقارب انحراف الشباب، أو تتحدث عن الفساد، أو تحذر من الظلم الاجتماعي؟ هل يُعقل أن تظل المنابر صامتة أمام القضايا التي تشغل الشارع، بينما يُكتفى بخطاب خشبي بعيد عن الواقع؟
الخطبة الموحدة ليست سوى إفراغ متعمد للمنبر من رسالته، وقطع صلة الخطيب بجمهوره، وتحويل الجمعة من محطة تعبئة روحية إلى واجب إداري شكلي.
لقد صار الخطباء موظفين يرددون نصوصا عقيمة، فيما المجتمع يتخبط في مشكلات مصيرية تحتاج إلى كلمة صادقة جريئة من فوق المنابر.
إنها سياسة تكميم ديني صريحة، تُريد من المسجد أن يكون فضاء للتلقين لا للنقاش، وللاستهلاك الروتيني لا للتوجيه والإصلاح. ومن الخطير أن يُختزل دور الجمعة في قراءة نشرة أسبوعية من الوزارة، بينما الناس ينتظرون من خطبائهم صوتا يُعبر عنهم، لا صدى باهتا لقرارات فوقية.