شعيب خميس/ مشاهد بريس
يدخل المغرب، ابتداءً من 22 غشت المقبل، مرحلة مفصلية في مسار إصلاح منظومته الجنائية، مع دخول القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة حيز التنفيذ، في تحول نوعي يعكس إرادة قوية لتحديث السياسة العقابية وجعلها أكثر إنسانية ونجاعة.
فبعد سنوات من النقاش حول ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، والجدوى من معاقبة مرتكبي الجنح البسيطة بالسجن، جاء هذا القانون ليقدم تصورًا جديدًا يزاوج بين ضمان هيبة العدالة وتحقيق أهداف الإصلاح وإعادة الإدماج.
بدائل السجن: عقوبات بصيغة تربوية واجتماعية
القانون الجديد يتيح للقضاة إمكانية استبدال العقوبات السالبة للحرية بمجموعة من التدابير البديلة، من بينها:
العمل لفائدة المصلحة العامة؛
الخضوع للمراقبة الإلكترونية (السوار الإلكتروني)؛
تقييد بعض الحقوق أو فرض التزامات محددة.
هذه الخيارات تتيح معالجة متدرجة للعقاب، تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الفعل الجرمي، والظروف الاجتماعية للمدان، دون المساس جوهريًا بحريته، لكنها تُبقيه تحت رقابة منظومة العدالة.
منطق جديد للعدالة: من الردع إلى التأهيل
لا يقتصر الأمر على مجرد تغيير في أدوات التنفيذ، بل يعكس تحولاً جوهريًا في الفلسفة العقابية، حيث تنتقل العدالة من منطق “الردع الزجري” إلى منطق “الإصلاح التأهيلي”، من خلال:
تقليص أعداد نزلاء السجون؛
تخفيف العبء على المؤسسات السجنية؛
توسيع نطاق العدالة التصالحية؛
تعزيز فرص الإدماج وإعادة بناء السلوك.
تحضيرات ميدانية ومواكبة مؤسساتية
المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وبتنسيق مع السلطة القضائية والنيابة العامة وباقي المتدخلين، انخرطت منذ أشهر في التحضير لتنزيل هذه النقلة، من خلال:
تجهيز البنيات التحتية اللازمة؛
تكوين فرق متخصصة لمواكبة تطبيق التدابير البديلة؛
إعداد أدلة مرجعية لضمان التطبيق السليم والموحد للقانون.
الخطوة لاقت ترحيبًا واسعًا من قبل الفاعلين الحقوقيين والقانونيين، الذين اعتبروها تحولًا جوهريًا في مقاربة العقوبة، وتأكيدًا على أن العدالة في المغرب تتجه نحو منظور أكثر إنسانية وإنصافًا.
كما يُرتقب أن تطلق الجهات المعنية حملة تواصلية وطنية لتقريب مفهوم العقوبات البديلة من المواطنين، وشرح أهدافها كجزء من عدالة منفتحة ودامجة.
نحو عدالة أكثر توازنًا
بهذا الإصلاح الجريء، يخطو المغرب خطوة إضافية في مسار بناء عدالة حديثة، تراعي كرامة الإنسان، وتفرّق بين من يستحق العقاب الزجري ومن يستحق فرصة ثانية، في توازن دقيق بين الحزم والرحمة.