بوعزة ساهل… قامة فكرية مغربية تستحق أكثر

2025-06-30T15:05:01+00:00
2025-06-30T15:11:39+00:00
كتاب الرأي
Bouasriya Abdallahمنذ 7 دقائقwait... مشاهدةآخر تحديث : منذ 7 دقائق
بوعزة ساهل… قامة فكرية مغربية تستحق أكثر
بوعزة ساهل… قامة فكرية مغربية تستحق أكثر

بقلم: حليمة المجاهد

نُظِّم يوم السبت 28 يونيو 2025، حفل تكريمي رائع بدار الشباب المركز بمدينة عين عودة، على شرف المفكر المغربي الأستاذ بوعزة ساهل، في مبادرة نبيلة جسّدت عمق الوفاء والاعتراف.

وكان الحفل ثمرة مبادرة أطلقها الكاتب محمد البوعبيدي، بتنسيق مع جمعيتين محليتين نشيطتين، جسدت حسّ الاعتراف في غياب الدعم المؤسساتي، حيث التأم الأصدقاء والعائلة ونخبة من المثقفين للاحتفاء بمسيرة رجل من رجالات الفكر والمعرفة، سَخَّر عمره في سبيل التربية والعلم والبحث الفلسفي المتوازن بين العقلانيات والروحانيات.

IMG 20250630 160825 - مشاهد بريس

تميز الحفل بحميميته وصدقه، فكانت المداخلات شهادات وفاء، استحضرت مسيرة الأستاذ من طفولته، إلى سنوات التعليم، إلى زمن الفكر والتأليف، ومنها شهادة مؤثرة ألقاها صديق طفولته ورفيق دربه الأستاذ مصطفى العمري، الذي حدّثنا عن عشقه المبكر للرياضيات، وبدايات شغفه بالفكر الفلسفي، متأثرًا بقمم فكرية من طراز المفكر محمد عابد الجابري.

كما ألقى الأستاذ إبراهيم ونزار مداخلة تحليلية راقية، أبرز فيها العلاقة الجدلية بين الرياضيات والفلسفة في فكر الأستاذ بوعزة، مؤكدًا أن ما كتبه الأستاذ يستحق أن يُدرس، وداعيًا إلى تنظيم ندوة علمية تُسلط الضوء على منجزاته القيمة بشكل مؤسساتي أعمق.

فيما جاءت مداخلة الأستاذ محمد رازيق لتُعزز هذا التوجه، حيث تناول بعمق كيف استطاع الأستاذ بوعزة الانتقال من ربط الرياضيات بالفلسفة إلى استكشاف العلاقة بين الرياضيات وعلوم الدين، وكيف حوّل الأرقام إلى مفاهيم وشخوص تنبض بالمعنى، مبرزًا عبقريته في الربط بين المنهج العلمي والتفكير التأملي. لقد كانت مداخلته شهادة على عمق فكر الأستاذ، ودعوة صريحة لإعادة قراءته من منظور تكاملي حديث.

وكان لي شرف إلقاء كلمة تحت عنوان:
“في حضرة بوعزة ساهل: تكريم لمسيرة علمية وفكرية مشرقة”
عبّرت فيها عن تقديري العميق لهذه القامة المشرقة التي أغنت الساحة الثقافية المغربية والعربية، وختمت كلمتي بأبيات من القلب:

يا ايها الساكن محراب الفكر
لك المجد ما دام العقل يبحر
ولك السلام ما دام الحرف يزهر
وما دام الوفاء فينا يُثمر…

ثم تلت ذلك لحظة التكريم، حيث قُدمت له هدايا رمزية، وعانقت القلوب صورًا وذكريات ستظل راسخة في الوجدان.

ورغم هذا النجاح الكبير للحفل، لا يسعنا إلا أن نطرح سؤالاً مؤلمًا:

لماذا لا ترسّخ الجهات الرسمية في بلدنا ثقافة الاعتراف الحقيقي بمفكرينا؟
لماذا تغيب وزارة الثقافة والإعلام عن مثل هذه المبادرات؟
لماذا لا يُكرَّم الأستاذ بوعزة ساهل في برامج تلفزيونية تُعنى بالشأن الثقافي؟
لماذا لا يُسلَّط الضوء على مؤلفاته ومنجزاته في وقت هو في أمسّ الحاجة إلى الاعتراف، وهو يُعاني من المرض، ونحن نعلم أنه قدّم الكثير وساهم في بناء الوعي النقدي لدى أجيال من التلاميذ والقراء والباحثين؟

في بلدان أخرى، مثل هذه القامات الفكرية تحظى بالتكريم في حياتها، تُدرَّس كتبها في المدارس والجامعات، ويُمنح لها وسام الاعتزاز الوطني، وتُفتح لها منابر الإعلام والثقافة. أما عندنا، فما يزال العبء الأكبر يقع على عاتق الجمعيات الثقافية المستقلة، التي تعمل من جيوب أعضائها، وبجهود تطوعية، لإحياء لحظات الاعتراف والاحتفاء، دون دعم أو تغطية رسمية.

إن تكريم الأستاذ بوعزة ساهل ليس مجرد مبادرة رمزية، بل هو فعل وطني، وصرخة نُوجّهها من عمق الضمير الحي إلى كل من بيده القرار الثقافي والإعلامي:
كرِّموا القامات الفكرية وهم أحياء. دعونا نرتقي بثقافة الاعتراف من المبادرات الفردية إلى مسؤولية مؤسساتية.

فالأمم التي لا تُكرم مفكريها في حياتهم، تفقد جزءًا من روحها، وتغتال ذاكرتها وضميرها.

تحية لكل من ساهم في نجاح هذا الحفل، وشكرًا للأستاذ بوعزة ساهل… لأنك كنت، وما زلت، مناراتنا في زمن الضباب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.