الكاتب “ادريس الهبري”: كيف خسر ترامب وربح المغرب في أقل من ثمانين يوم؟

2020-12-12T08:25:24+00:00
2020-12-12T08:25:26+00:00
كتاب الرأي
Bouasriya Abdallah12 ديسمبر 2020wait... مشاهدةآخر تحديث : منذ سنتين
الكاتب “ادريس الهبري”: كيف خسر ترامب وربح المغرب في أقل من ثمانين يوم؟
الكاتب “ادريس الهبري”: كيف خسر ترامب وربح المغرب في أقل من ثمانين يوم؟

عيسی هبولة/مشاهد بريس

كتب المدون وكاتب الرأي “ادريس الهبري” مقالة علی صفحته فيسبوك تحت عنوان،”كيف خسر ترامب وربح المغرب في أقل من ثمانين يوم؟.

وقال “الهبري”: وهو مدير مصالح جماعة “احد كورت” باقليم سيدي قاسم، منذ افتتحت دولة الإمارات العربية المتحدة قنصلية لها بمدينة العيون بالأقاليم الصحراوية المغربية، تنبأ كثيرون بقرب التحاق المغرب بمسلسل التطبيع مع إسرائيل، وركب كثيرون ممن اختاروا أن يكونوا في الضفة المعادية لقضية الصحراء المغربية التي يعتبرها المغاربة قضيتهم الوطنية الأولى، صهوة التوظيف السياسي البئيس للنيل من المغرب من خلال تقديمه ولو إعلامياً كواحد من البلدان العربية المهرولة نحو التطبيع مع إسرائيل.

كانت كل التوقعات الحكيمة والرزينة تتجه نحو الإقرار بوجود مقدمات منطقية تُعد وتُحضِّر نفسها لتقبل وضع ما بعد إعلان التطبيع مع إسرائيل، ولتوجيد المسوغات السياسية القابلة للانسجام مع منطق الدفاع عن الموقف المستجد الذي سيترتب عن مرحلة ما بعد الإعلان عن التطبيع.

ولعل المغاربة اليوم منشغلون سرّاً وعلانيةً بهذا المستجد الطارئ، ولعلهم الآن يشعرون بحتمية اتخاذ موقف حاسم ومصيري تجاه الأحداث المتسارعة، التي طبعت عشية الخميس الفارط الذي يصادف العاشر من ديسمبر الجاري، ولعل البعض من المغاربة يشكو اللحظة من تشتت فظيع في الأفكار وضبابية مفزعة في الرؤية وعدم الارتياح للتاريخ وانتفاء السكون إلى الجغرافيا.

ولعل البعض الآخر قرر حسم موقفه بسرعة مذهلة فير قابلة للبطء، إما بدافع الإحساس الطارئ بالواجب السياسي المحض أو بدافع الشعور الراسخ بالواجب الوطني الخالص.

ولعل جميع المغاربة قد طرحوا الأسئلة المحورية والمفصلية التالية:

  • أيهما أجدر بالبقاء على قيد الحب المغربي المتجدر، قضية الصحراء المغربية أم القضية الفلسطينية؟
  • هل يمكن للمغاربة أن يزاوجوا ما بين انخراطهم في صلب الانشغال بالقضية الفلسطينية وما تتطلبه من تضحيات وبين تعلقهم بقضية الضحراء المغربية المشروعة، وما تستدعيه من وحدة في الصف وشراسة في العشق؟
  • هل ثمة ما يبرر رفض المغاربة للتطبيع مع إسرائيل وتمسكهم بالقضية الفلسطينية وفق التناول والمعالجة التقليديين وتفضيلها على قضيتهم الوطنية الأولى؟
    أم أن المغاربة مستعدون لمباركة هذه المقايضة وفق اعتقاد صادق بربح ملف الصحراء المغربية والبقاء على قيد حب القضية الفلسطينية التي ما فتؤوا وحتى وقت قريب يعتبرونها قضيتهم الوطنية الأولى؟

حتى وقت قريب كانت التنظيمات اليسارية المغربية تقف إلى جانب ما يسمى في قاموس الخطاب الدعائي الجزائري ومعه خطاب جبهة البوليساريو المصنوع في معمل الخردة السياسية بالجزائر، حتى وقت قريب وهذه التنظيمات تتخذ موقفا معادياً لقضية الصحراء المغربية وتساند أطروحة “حق تقرير المصير” التي ما فتئ يطبل لها نظام العسكر بالجزائر وترقص على إيقاعها حفنة من الذين لا يزالوا يعيشون على أطلال ما قبل انهيار جدار برلين.

  • فما الذي تغير وطرأ حتى ينقلب اليسار المغربي على نفسه ويلتحق بالصف الوطني الوحدوي الذي ظل يجابه خطر الانفصال الداهم ويواجه ويحارب أطماع النظام الجزائري الساعية إلى شقِّ واجهة بحرية تطل على المحيط الأطلسي ولو على حساب اجتزاء أرضٍ مغربيةٍ بقوة التاريخ وجبروت الجغرافيا؟

لقد تغير الكثير على الأرض، لقد حدثت متغيرات كبرى نقلت العالم بأسره من حال إلى حال جديد، لقد انهار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي وسقط النموذج الاشتراكي على أكتاف من ظلوا يوهمون العالم بأنه المشروع العالمي البديل لنظيره الرأسمالي الإمبريالي.

لقد تساقطت أحلام اليسار على امتداد خارطة هذا الكون الفسيح وانهارت تطلعاته الطوباوية فاسحة المجال كله لطموحات عظمى غايتها إعلان نهاية التاريخ وبداية تشكل جغرافيا جديدة مغايرة، التي نتجت عن الحرب الباردة البائدة.

وها هي الجزائر اليوم تحصد ثمار ما زرعته من رغبة جامحة في كسر عظام المشروع المغربي الذي لم يكن الشعور المقيت بمعاداة الجزائر ما بعد الاستقلال ضمن حساباته أبداً.

ها هي الجزائر تضيع من بين يديها الواهنيتن فرصة تاريخية كان بإمكانها التقاطها في إبانها لأجل مغربٍ كبيرٍ يؤمن بوحدة التاريخ واللغة والدين والمصير وقادر على بناء تكتل اقتصادي قوي داخل فضاء مغاربيٍ يتسع للجميع بما في ذلك الصحراويون الذين لا حول ولا قوة لهم، غير العيش المحتم في كنف السيادة المغربية التي لن تقبل التفريط في شبر واحد من أرض ضحى المغاربة بسيل جارف من الدم، حتى لا تطالها أياد حفنة من جنرالات محسوبين على مخلفات حقبة الحرب الباردة البائدة.

إن الحديث الآن لا ينبغي أن يُدرج في سياق البحث عن مبرراتٍ مقبولة ومستساغة لبدء تطبيع المغرب مع إسرائيل، وإنما ينبغي أن يقتصر الحديث في هذه الآونة المفرطة الحساسية عن نتائج صراعٍ مفتعلٍ تؤمن الجزائر قبل بقية بلدان العالم بأن نهايته ونتائجه ستكونان لصالح المغرب بلا أدنى شك، وفي غياب أي احتمال آخر يناقض حق المغرب في الذوذ عن أرضه والدفاع عن وحدة ترابه، حتى لو تطلب الأمر خطف اعترافٍ أمريكيٍ متأخرٍ بمغربية الصحراءِ، وقرارٍ تاريخي في نظر العالم والمغاربة بافتتاح قنصلية أمريكية بالأقاليم الصحراوية المغربية.

ما من مسوِّغٍ سياسي آنيٍ يدفعني إلى الشعور بالحرج حين الخوض في نقاش مدجج بألغام حقبة باتت محسوبة على ماض ما بعد التوقيع على اتفاقية أسلو، المحفوفة بالمنزلقات الفكرية والأيديولوجية والأخلاقية، وما من مسوّغٍ يجعلني أشعر بالضيق من قلب معطف الموقف السياسي وإعلان افتتاح قنصلية موقف مغاير فوق أرضية تفكيري الآخذة في التغير رويداُ، رويدا.

ما من دوافعَ تقذف بالديبلوماسية المغربية الآن إلى دائرة الشعور بالحرج من اتخاذ قرارٍ تاريخي كالذي اتخذته اليوم، فهذا هو منطق المصالح الذي تنهض على أكتافه علاقات الدول عبر التاريخ، وهذه هي المعادلة السياسية “رابح/رابح” التي كانت ولا تزال السمة الطاغية والفاصلة في حسم الملفات الداخلية والخارجية الشائكة والمستعصية.

فليَعِ الأشقاءُ الفلسطيونيون أن للمغرب ما يكفي من الدوافع التي أوجدتها السياسة الخرقاء التي انتهجها جنرالات الجزائر تجاهه منذ ما يقارب الخمسين عاماً باذلين جهداً لا يضاهى، كان الأجدر بهم أن يُنفقوه لصالح القضية الفلسطينية التي كانت ولاتزال ورقة سياسية يحركها النظام الجزائري وقتما شاء لفائدة خدمة أجندته السياسية الضيقة، التي لا تتعدى منطقة تدجين الرأي العام الجزائري ولا تجرأ على أن تتخطى حدود زعزعة أمن واستقرار المغرب تحت يافطة عتيقة عنوانها الركيك “حق تقرير المصير”.

فليعِ الأشقاء الفلسطينيون أن الجزائر قد أمعنت في غور الجرح المغربي الغائر وأسرفت في طعن خاصرة المغرب الجنوبية بِإِبَرِ حِقدٍ مرضيٍ أصابَ عقيدة العسكر الجزائري منذ انقلاب محمد بوخروبة (الهواري بومدين) على أحمد بن بلة وحتى الآن.

وليعِ المغاربة قاطبة أن الوضع الراهن لا يحتمل القسمة على اثنين، فإما ربح قضية الصحراء المغربية مع التمسك بالدفاع عن حل الدولتين فوق أرض فلسطين التاريخية، أو قيام دويلةٍ على مقاسِ التطلع الجزائري المجنون، الرامي إلى النيل من المغرب وحقه في الجلوس على عرش الريادة والسيادة في الشمال الأفريقي، وحقه في أن يكون لاعباُ محورياً في علاقة جنوب/جنوب، وفاعلاً رئيسياً في بناء جسر التواصل المتين بين أوروبا وأفريقيا.

إن المغاربة على محكٍّ حقيقي واختبار صعب، لا يقبلان أنصاف المواقف والرجال، ولا يبغيان خياراً آخر غير الاصطفاف مع صف المغاربة الذين اختاروا أن تكون قضية الصحراء قضيتهم الأولى تماماً كما الفلسطينيين الذين يعتبرون أن فلسطين هي قضيتهم الأولى.

وإلى حين إيمان العالم بأن المغرب لا يقبل القسمة على اثنين، أقول لكم تصبحون على وطن من الرباط إلى عدن.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.