الناقد والكاتب الأستاذ “نور الدين حنيف الملقب ب(أبو شامة) يكتب

2021-07-15T15:49:51+00:00
2021-07-15T15:49:52+00:00
فن وثقافة
Bouasriya Abdallah15 يوليو 2021wait... مشاهدةآخر تحديث : منذ سنة واحدة
الناقد والكاتب الأستاذ “نور الدين حنيف الملقب ب(أبو شامة) يكتب

عيسى هبولة/مشاهد بريس

“في الكذب السياسي

… و الغريب في الأمر أن ذاكرة المواطن في العالم الثالث ذاكرة قصيرة ، غالبا ما تنسى حجم الكذب الذي مورس عليها في تاريخ سابق ، و لا تراه في تجربة جديدة من الكذب السياسي … أو أن هذا المواطن لا يستفيد من التاريخ ، و يحب ، في مازوشية غريبة ، أنْ يُكْذَبَ عليه ، أو أنه ، يُشبهُ كما وردَ في لسان الثقافة الشعبية المغربية ذلكم ( القط الذي يحبّ خنّاقَهُ ) .

و لأن المواطن كائن ينسى بسرعة فإنه لا يعاقب ساسته الذين يكذبون عليه . أولاً ، لأنه كائن مسالم و بسيط و أحيانا يتحول من بسيط إلى غرّ … و ثانياً ، لأنه مواطن غالباً ما يزورُّ عن الانخراط في ثقافة المؤسسة ، و بالتالي لا يرغب في المظلات المدنية و الحكومية القاضية بحماية حقه في تجريم الكذابين و بدرجة قصوى ، السياسيين منهم …

و لأن السياسي يعلم أن المواطن معجون بهذه الصيغة و في هذه الصيغة فإنه يتمادى في كذبه ، عالماً أن هناك تسيّبا كبيرا في تغييب المؤسسة القاضية بتجريم كذبه و إدانته و معاقبته …

هكذا تنبني اللعبة ، بتلقائية غريبة ، أولُها تخطيط و صيرورتها الباقية انسياب … و هي لعبةٌ تنسج خيوطها في طمأنينة اجتماعية هادئة ، و في تؤدة غير قانونية أكثر غرابة . تدعمها ثقافة المسالمة و ليس السلم . لأن هذا الأخير يطرح ذاته في عمق إبستيمولوجي قوي يراكم حول الموضوع قشرات سميكة من مرجعيات الحق و معرفة الذود عن هذا الحق . أما المسالَمة فهي سلوك انهزامي تبنيه ثقافة نُكوصية تؤمنُ و تقول بشعار ( دعه يمشي ) أو بعبارة شعبية مغربية صميمة ( سَلّكْ ؤُ عَدِّي ) .

إن السياسي الكاذب يعرف كيف يقرأ هذه المعطيات الاجتماعية الموسومة بالتلقائية و بالشعبوية و بالمسالمة و بغياب المؤسسة الحاضنة . و من ثمّة يجد نفسه كائنا محظوظا بالقدرة على العوم في هذا الماء الهادئ كيفما شاء له العوم ، تدعمه في ذلك مجاديف السلطة التي تطلق له الحبل على الغارب يمخر في عباب السياسة الكاذبة ما شاء له المخر . و هي السلطة التي أطلقت اليد السياسية تصنع المفاهيم و المصطلحات ، و ترسل الأمثال والمسكوكات الشعبية تسري في البيئات الاجتماعية كما تسْرِي النار في الهشيم ، تكرس الحالةَ ذاتها و تدعمها دعما يسير بها في اتجاه التغول و الترسيخ ، في اتّجاهِ الشّرْعَنَة .

كما أنّ تغوّل ثقافة الكذب السياسي و ترسيخها في أوصال المجتمعات أمر خطير لا ينبغي تجاوزه في التحليل . لأن المسألة تندمغ في معادلة غير قابلة للحلّ ، ذاك أن هذا التغوّل يأخذ مسار الزمن و يتجذر عميقا في الوجدان و في السلوك ثم في القناعات . و الخطورة لا تتأتى من تغوّله و إنما من اكتسابه لأجنحة المصداقية و الشرعية ، و بدل أن يتخفى الكذب السياسي و يتوارى خجولا قبيح المنظر ، ينبري إلى الظهور في تبجح مقيت و في صلفٍ أمقت . و النتيجة أننا عوض أن نهدر طاقةً معقولة و نسبية في مكافحة الكذب في وضعه الموضوعي حيث كل المؤسسات تدينه و تشجبه و تضعه في قفص التهمة ، نتحول بفعل فاعل إلى مكافحة الكذب في وضعيته الجديدة التي أصبح يمتلك فيها شرعية الحضور . و شتّان بين القضاء على ظاهرة مرفوضة أصلا و لا شرعية لها ، و بين القضاء على ظاهرة تدعمها المؤسسة و تصون لها شرعيتها .

هو الهدر التاريخي إذن ، يأخذ منا كثيرا من الطاقة ، و يحولنا إلى خطاب سياسي مأزوم و معتلّ و مرضي . لكن الأغرب فيه أنه حالةٌ عامّة تكتسح جميع المجتمعات الإنسانية و تتوغل في عمقها الوجودي وفي وجودها الأعمق . و تتحول من حالات مرَضية قابلة للعلاج إلى حالات قائمة تفرض سياقها الغاشم على هذه المجتمعات ، حاملة في يدها اليمنى شعار المصلحة العامّة و في اليسرى شعار الحداثة الفارضة أنساق حيوات جديدة و جديرة بالعيش داخل منظورات تسويغية تقول بقبول كل شيء مادام يصب في فلسفة النفع العام” .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.